(وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) كأن معهم دليلا يدلهم إلى أين يتوجهون.
[٦٦ ـ ٧٥] (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) أي : سيصبحهم العذاب الذي يجتاحهم ويستأصلهم ، (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي : المدينة التي فيها قوم لوط (يَسْتَبْشِرُونَ) أي : يبشر بعضهم بعضا ، بأضياف لوط ، وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم ، وذلك لقصدهم فعل الفاحشة فيهم ، فجاؤوا حتى وصلوا إلى بيت لوط ، فجعلوا يعالجون لوطا على أضيافه ، ولوط يستعيذ منهم ويقول : (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) (٦٩) أي : راقبوا الله أول ذلك ، وإن كان ليس فيكم خوف من الله ، فلا تفضحون في أضيافي ، وتنتهكوا منهم حرمتهم بفعل الأمر الشنيع. و (قالُوا) له جوابا عن قوله ولا تخزون فقط : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) أن تضيفهم ، فنحن قد أنذرناك ، ومن أنذر فقد أعذر ، (قالَ) لهم لوط من شدة الأمر الذي أصابه : (هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ، فلم يبالوا بقوله ، ولهذا قال الله لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٢) وهذه السكرة ، هي سكرة محبة الفاحشة ، التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم. فلما بينت له الرسل حالهم ، زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب ، فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا ، فنجوا ، وأما أهل القرية (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) (٧٣) أي : وقت شروق الشمس ، حيث كانت العقوبة عليهم أشد ، (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي : قلبنا عليهم مدينتهم ، (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) ، تتبع فيها من شذ من البلد. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧٥) أي : المتأملين المتفكرين ، الّذين لهم فكر وروية وفراسة ، يفهمون بها ما أريد بذلك ، من أن من تجرأ على معاصي الله ، خصوصا هذه الفاحشة العظيمة ، أن الله سيعاقبهم بأشنع العقوبات ، كما تجرؤوا على أشنع السيئات.
[٧٦ ـ ٧٧] (وَإِنَّها) أي : مدينة قوم لوط (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) للسالكين ، يعرفه كل من تردد في تلك الديار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧) ، وفي هذه القصة من العبر : عنايته تعالى بخليله إبراهيم ، فإن لوطا عليهالسلام ، من أتباعه ، ومن آمن به فكأنه تلميذ له ، فحين أراد الله إهلاك قوم لوط ، حين استحقوا ذلك ، أمر رسله أن يمروا على إبراهيم عليهالسلام ، كي يبشروه بالولد ، ويخبروه بما بعثوا له ، حتى إنه جادلهم عليهالسلام في إهلاكهم ، حتى أقنعوه ، فطابت نفسه. وكذلك لوط عليهالسلام ، لما كانوا أهل وطنه ، فربما أخذته الرقة عليهم والرأفة بهم ، قدّر الله من الأسباب ، ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم ، حتى استبطأ إهلاكهم لما قيل له : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) ، ومنها : إن الله تعالى ، إذا أراد أن يهلك قرية ، زاد شرهم وطغيانهم ، فإذا انتهى ، أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه.
[٧٨ ـ ٧٩] وهؤلاء قوم شعيب ، نعتهم الله وأضافهم إلى الأيكة ، وهو : البستان كثير الأشجار ، ليذكروا نعمته عليهم ، وأنهم ما قاموا بها ، بل جاءهم نبيهم شعيب ، فدعاهم إلى التوحيد ، وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين ، وعالجهم على ذلك أشد المعالجة فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق ، وفي حق الخلق ، ولهذا ، وصفهم هنا