[٧٩] أي : لأنهم المنتفعون بآيات الله ، المتفكرون فيما جعلت آية عليه ، وأما غيرهم ، فإن نظرهم نظر لهو ، وغفلة. ووجه الآية فيها ، أن الله تعالى خلقها بخلقة تصلح للطيران ، ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف ثم أودع فيها من قوة الحركة وما قدرت به على ذلك ، وذلك دليل على حكمته ، وعلمه الواسع ، وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره ، تبارك الله رب العالمين. يذكّر تعالى عباده بنعمه ، ويستدعي منهم شكرها ، والاعتراف بها فقال :
[٨٠] (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) في الدور والقصور ونحوها ، تكنّكم من الحر والبرد ، وتستركم ، أنتم وأولادكم ، وأمتعتكم ، وتتخذون فيها الغرف والبيوت ، التي هي لأنواع ، منافعكم ومصالحكم ، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم ، وغير ذلك من الفوائد المشاهدة. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ) إما من الجلد نفسه ، أو مما نبت عليه ، من صوف وشعر ووبر. (بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها) أي : تجدونها خفيفة الحمل ، تكون لكم (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) أي : في السفر والمنازل ، التي لا قصد لكم في استيطانها فتقيكم من الحر ، والبرد ، والمطر ، وتقي متاعكم من المطر ، (وَ) جعل لكم (مِنْ أَصْوافِها) أي : الأنعام (وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً) وهذا شامل لكل ما يتخذ منها ، من الآنية ، والأوعية ، والفرش ، والألبسة ، والأجلة ، وغير ذلك. (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) أي : تتمتعون بذلك في هذه الدنيا ، وتنتفعون بها ، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله.
[٨١] (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) أي : من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها (ظِلالاً) وذلك ، كأظلة الأشجار ، والجبال ، والآكام ونحوها ، (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) أي : مغارات ، تكنكم من الحر والبرد ، والأمطار ، والأعداء. (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) أي : ألبسة وثيابا (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ، ولم يذكر الله البرد ، لأنه قد تقدم أن هذه السورة ، أولها في أصول النعم ، وآخرها في مكملاتها ومتمماتها ، ووقاية البرد ، من أصول النعم ، فإنه من الضرورة ، وقد ذكره في أولها في قوله : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ). (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) أي : وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب ، من السلاح ، وذلك ، كالدروع ، والزرود ، ونحوها ، (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر (لَعَلَّكُمْ) إذا ذكرتم نعمة الله ، ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه (تُسْلِمُونَ) لعظمته ، وتنقادون لأمره ، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها ، فكثرة النعم ، من الأسباب الجالبة من العباد ، مزيد الشكر ، والثناء بها على الله تعالى ، ولكن أبى الظالمون ، إلا تمردا وعنادا.
[٨٢ ـ ٨٣] ولهذا قال الله عنهم : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الله ، وعن طاعته ، بعد ما ذكّروا بنعمه وآياته ، (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء بل أنت مطالب بالوعظ والتذكير ، والإنذار والتحذير ، فإذا أديت ما عليك ، فحسابهم على الله ، فإنهم يرون الإحسان ، ويعرفون نعمة الله ، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها ، (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) لا خير فيهم ، وما ينفعهم توالي الآيات ، لفساد مشاعرهم ، وسوء قصودهم ، سيرون جزاء