[٩٧] (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) أي : يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه ، ووعده حق وصدق ، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة ، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة ، والقلاقل المفظعة ، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم ، وأنهم يدعون بالويل والثبور ، والندم والحسرة ، على ما فات ويقولون : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم العظيم ، فلم نزل فيها مستغرقين ، وفي لهو الدنيا متمتعين ، حتى أتانا اليقين ، ووردنا القيامة ، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة ، لماتوا. (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) اعترفوا بظلمهم ، وعدل الله فيهم ، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار ، هم وما كانوا يعبدون.
[٩٨] ولهذا قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) إلى (تُوعَدُونَ). أي : وإنكم ، أيها العابدون مع الله آلهة غيره (حَصَبُ جَهَنَّمَ) ، أي : وقودها وحطبها (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) وأصنامكم. والحكمة في دخول الأصنام ، النار ، وهي جماد ، لا تعقل ، وليس عليها ذنب ـ بيان كذب من اتخذها آلهة ، وليزداد عذابهم.
[٩٩] فلهذا قال : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) هذا كقوله تعالى : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) (٣٩). وكل من العابدين والمعبودين فيها ، خالدون ، لا يخرجون منها ، ولا ينقلون عنها.
[١٠٠] (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) من شدة العذاب (وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) صم بكم عمي ، أو لا يسمعون من الأصوات غير صوتها ، لشدة غليانها ، واشتداد زفيرها وتغيظها. ودخول آلهة المشركين النار ، إنما هو الأصنام ، أو من عبد ، وهو راض بعبادته.
[١٠١ ـ ١٠٢] وأما المسيح ، وعزير ، والملائكة ونحوهم ، ممن عبد من الأولياء ، فإنهم لا يعذبون فيها ، ويدخلون في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) أي : سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله ، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة. (أُولئِكَ عَنْها) أي : عن النار (مُبْعَدُونَ) فلا يدخلونها ، ولا يكونون قريبا منها ، بل يبعدون عنها ، غاية البعد ، حتى لا يسمعوا حسيسها ، ولا يروا شخصها. (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) من المآكل ، والمشارب ، والمناكح والمناظر ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، مستمر لهم ذلك ، يزداد حسنه على الأحقاب.
[١٠٣] (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) أي : لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع ، وذلك يوم القيامة ، حين تقرب النار ، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم ، لعلمهم بما يقدمون عليه ، وأن الله قد أمنهم مما يخافون. (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) إذا بعثوا من قبورهم ، وأتوا على النجائب وفدا ، لنشورهم ، مهنئين لهم قائلين : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فليهنكم ما وعدكم الله ، وليعظم استبشاركم ، بما أمامكم من الكرامة ، وليكثر فرحكم وسروركم ، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره.