وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، فهذه أخلاقه صلىاللهعليهوسلم ، أكمل الأخلاق ، التي يحصل به من المصالح العظيمة ، ودفع المضار ، ما هو مشاهد. فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله ، ويدّعي اتباعه والاقتداء به ، أن يكون كلا على المسلمين ، شرس الأخلاق ، شديد الشكيمة ، غليظ القلب ، فظّ القول ، فظيعه؟. وإن رأى منهم معصية ، أو سوء أدب ، هجرهم ، ومقتهم ، وأبغضهم ، لا لين عنده ، ولا أدب لديه ، ولا توفيق. قد حصل من هذه المعاملة ، من المفاسد ، وتعطيل المصالح ، ما حصل ، ومع ذلك تجده محتقرا ، لمن اتصف بصفات الرسول الكريم ، وقد رماه بالنفاق والمداهنة ، وذكر نفسه ورفعها ، وأعجب بعمله. فهل يعدّ هذا ، إلا من جهله ، وتزيين الشيطان ، وخدعه له ، ولهذا قال الله لرسوله : (فَإِنْ عَصَوْكَ) في أمر من الأمور ، فلا تتبرأ منهم ، ولا تترك معاملتهم ، بخفض الجناح ، ولين الجانب ، بل تبرأ من عملهم ، فعظهم عليه ، وأنصحهم ، وابذل قدرتك في ردهم عنه ، وتوبتهم منه. وهذا الدفع ، احتراز وهم من يتوهم ، أن قوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) للمؤمنين ، يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم ، ماداموا مؤمنين ، فدفع هذا ، والله أعلم.
[٢١٧] أعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به ، الاعتماد على ربه ، والاستعانة بمولاه ، على توفيقه للقيام بالمأمور ، فلذلك أمر الله تعالى بالتوكل عليه فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٢١٧) والتوكل هو : اعتماد القلب على الله تعالى ، في جلب المنافع ، ودفع المضار ، مع ثقته به ، وحسن ظنه بحصول مطلوبه ، فإنه عزيز رحيم ، بعزته يقدر على إيصال الخير ، ودفع الشر عن عبده ، وبرحمته به ، يفعل ذلك.
[٢١٨ ـ ٢١٩] ثمّ نبهه على الاستعانة ، باستحضار قرب الله ، والنزول في منزل الإحسان فقال : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (٢١٩) أي : يراك في هذه العبادة العظيمة ، التي هي الصلاة ، وقت قيامك ، وتقلبك راكعا وساجدا. خصها بالذكر ، لفضلها وشرفها ، ولأن من استحضر فيها قرب ربه ، خشع وذل ، وأكملها ، وبتكميلها ، يكمل سائر عمله ، ويستعين بها على جميع أموره.
[٢٢٠] (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لسائر الأصوات ، على اختلافها ، وتشتتها ، تنوعها ، (الْعَلِيمُ) الذي أحاط بالظواهر والبواطن ، والغيب والشهادة. فاستحضار العبد برؤية الله له في جميع أحواله ، وسمعه لكل ما ينطق به ، وعلمه بما ينطوي عليه قلبه ، من الهم ، والعزم ، والنيات ، يعينه على منزلة الإحسان.
[٢٢١] هذا جواب لمن قال من مكذبي الرسول : إن محمدا ينزل عليه شيطان. وقول من قال : إنه شاعر فقال : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) أي : أخبركم الخبر الحقيقي ، الذي لا شك فيه ، ولا شبهة ، (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) ، عليه أي : بصفة الأشخاص ، الّذين تنزل عليهم الشياطين.
[٢٢٢] (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) أي : كذاب ، كثير القول للزور ، والإفك بالباطل ، (أَثِيمٍ) في فعله ، كثير المعاصي ، هذا الذي تنزل عليه الشياطين ، وتناسب حاله حالهم؟.
[٢٢٣] (يُلْقُونَ) عليه (السَّمْعَ) الذي يسترقونه من السماء ، (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) أي : أكثر ما يلقون إليه ، كذب ، فيصدق واحدة ، ويكذب معها مائة ، فيختلط الحقّ بالباطل ، ويضمحل الحقّ بسبب قلته ، وعدم علمه. فهذه صفة الأشخاص ، الّذين تنزل عليهم الشياطين ، وهذه صفة وحيهم له. وأما محمد صلىاللهعليهوسلم ، فحاله مباينة لهذه الأحوال ، أعظم مباينة ، لأنه الصادق الأمين ، البار ، الراشد ، الذي جمع بين برّ القلب ، وصدق اللهجة ، ونزاهة الأفعال ، من المحرم. والوحي الذي ينزل عليه من عند الله ، ينزل محروسا محفوظا ، مشتملا على الصدق العظيم ، الذي لا شك فيه ولا ريب. فهل يستوي ـ يا أهل العقول ـ هديه وإفكهم؟. وهل يشتبهان ، إلا على مجنون ، لا يميز ، ولا يفرق بين الأشياء؟
[٢٢٤] فلما نزهه عن نزول الشياطين عليه ، برّأه أيضا من الشعر فقال : (وَالشُّعَراءُ) أي : هل أنبئكم أيضا عن