السماوات والأرض فهي المنتهى في علومها ، أو لغير ذلك ، والله أعلم. فرأى محمد صلىاللهعليهوسلم جبريل في ذلك المكان ، الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية الجميلة الّتي لا يقربها شيطان ولا غيره ، من الأرواح الخبيثة.
[١٥] (عِنْدَها) ، أي : عند تلك الشجرة (جَنَّةُ الْمَأْوى) ، أي : الجنة الجامعة لكل نعيم ، بحيث كانت محلّا تنتهي إليه الأماني ، وترغب فيه الإرادات ، وتأوي إليها الرغبات ، وهذا دليل على أن الجنة في أعلى الأماكن ، وفوق السماء السابعة.
[١٦] (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (١٦) ، أي : يغشاها من أمر الله ، شيء عظيم لا يعلم وصفه إلا الله عزوجل.
[١٧] (ما زاغَ الْبَصَرُ) ، أي : ما زاغ يمنة ولا يسرة ، عن مقصوده (وَما طَغى) ، أي : وما تجاوز البصر ، وهذا كمال الأدب منه صلوات الله وسلامه عليه ، أن قام مقاما ، أقامه الله فيه ، ولم يقصر عنه ، ولا تجاوزه ، ولا حاد عنه. وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم ، الذي فاق فيه الأولين والآخرين ، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور : إما أن لا يقوم العبد بما أمر به ، أو يقوم به على وجه التفريط ، أو على وجه الإفراط ، أو على وجه الحيدة يمينا وشمالا ، وهذه الأمور كلها منتفية عنه صلىاللهعليهوسلم.
[١٨] (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) من الجنة والنار ، وغير ذلك من الآيات الّتي رآها صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به.
[١٩ ـ ٢٠] لما ذكر تعالى ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم من الهدى ، ودين الحقّ ، والأمر بعبادة الله ، وتوحيده ، ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من أوصاف الكمال شيء ، ولا تنفع ولا تضر ، وإنما هي أسماء فارغة من المعنى ، سماها المشركون ، هم وآباؤهم الجهال الضلال ، ابتدعوا لها من الأسماء الباطلة الّتي لا تستحقها ، فخدعوا بها أنفسهم وغيرهم من الضلال. فالآلهة الّتي بهذه الحال ، لا تستحق مثقال ذرة من العبادة ، وهذه الأنداد الّتي سموها بهذه الأسماء ، زعموا أنها مشتقة من أوصاف هي متصفة بها ، فسموا «اللات» من «الإله» المستحق للعبادة ، و «العزى» من «العزيز» ، و «مناة» من «المنان» إلحادا في أسماء الله وتجريا على الشرك به ، وهذه أسماء متجردة من المعاني. فكل من له أدنى مسكة من عقل ، يعلم بطلان هذه الأوصاف فيها.
[٢١] (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) (٢١) أي : أتجعلون لله البنات بزعمكم ، ولكم البنون؟
[٢٢] (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٢٢) ، أي : ظالمة جائرة ، وأيّ ظلم أعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق؟ تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا.
[٢٣] وقوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) ، أي : من حجة وبرهان ، على صحة مذهبكم ، وكلّ أمر ، ما أنزل الله فيه من سلطان ، فهو باطل فاسد ، لا يتخذ دينا ، وهم ـ في أنفسهم ـ ليسوا بمتبعين لبرهان ، يتيقنون به ما ذهبوا إليه. وإنما دلهم على قولهم ، الظن الفاسد ، والجهل الكاسد ، وما تهواه أنفسهم من الشرك والبدع الموافقة لأهويتهم ، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي ذلك ، إلا اتباعهم للظن ، من فقد العلم والهدى ، ولهذا قال تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) ، أي : الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة ، وجميع المطالب الّتي يحتاج إليها العباد. فكلها قد بينها الله أكمل بيان ، وأوضحه ، وأدله على المقصود ، وأقام عليه من الأدلة والبراهين ، ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه ، فلم يبق لأحد حجة ، ولا عذر من بعد البيان والبرهان. وإذا كان ما هم عليه ، غايته اتباع الظن ، ونهايته الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي ، فالبقاء على هذه الحال ، من أسفه السفه ، وأظلم الظلم ، ومع ذلك يتمنون الأماني ، ويغترون بأنفسهم.
[٢٤ ـ ٢٥] ولهذا أنكر تعالى على من زعم ، أنه يحصل له ما تمنى ، وهو كاذب في ذلك ، فقال : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (٢٥) فيعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، فليس الأمر تابعا لأمانيهم ، ولا موافقا لأهوائهم.
[٢٦] يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة وغيرهم ، وزعم أنها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ) من الملائكة المقربين ، وكرام الملائكة. (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) ، أي : لا تفيد من ادعاها وتعلق بها ورجاها. (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) ، أي : لا بد من اجتماع الشرطين : إذنه تعالى في