القرشي الهاشمي محمد بن عبد الله ، ليس ببدع من الرسل ، بل قد تقدمه من الرسل السابقين ، ودعوا إلى ما دعا إليه ، فلأي شيء تنكر رسالته؟ وبأي حجة تبطل دعوته؟ أليست أخلاقه أعلى أخلاق الرسل الكرام؟ أليس يدعو إلى كلّ خير ، وينهى عن كلّ شر؟ ألم يأت بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد؟ ألم يهلك الله من كذب من قبله من الرسل الكرام؟ فما الذي يمنع العذاب عن المكذبين لمحمد سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجّلين؟
[٥٧] (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) (٥٧) ، أي : قربت القيامة ، ودنا وقتها ، وبانت علاماتها.
[٥٨] (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) (٥٨) ، أي : إذا أتت القيامة ، وجاءهم العذاب الموعود به.
[٥٩] ثمّ توعد المنكرين لرسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، المكذبين لما جاء به من القرآن الكريم ، فقال : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) (٥٩)؟ أي : أفمن هذا الحديث الذي هو خير الكلام وأفضله وأشرفه تتعجبون ، وتجعلونه من الأمور المخالفة للعادة ، الخارقة للأمور والحقائق المعروفة؟ هذا من جهلهم وضلالهم وعنادهم ، وإلا فهو الحديث الذي إذا حدث صدق ، وإذا قال قولا ، فهو القول الفصل ، ليس بالهزل ، وهو القرآن العظيم ، الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، الذي يزيد ذوي الإصلاح رأيا وعقلا ، وتسديدا وثباتا ، وإيقانا وإيمانا ، بل الذي ينبغي العجب من عقل من تعجّب منه ، وسفهه وضلاله.
[٦٠] (وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ) (٦٠) ، أي : تستعجلون الضحك والاستهزاء به ، مع أنه الذي ينبغي أن تتأثر منه النفوس ، وتلين له القلوب ، وتبكي له العيون ، سماعا لأمره ونهيه ، وإصغاء لوعده ووعيده ، والتفاتا لأخباره الصادقة الحسنة.
[٦١] (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) (٦١) ، أي : غافلون ، لاهون عنه ، وعن تدبره ، وهذا من قلة عقولكم ، وزيف أديانكم.
[٦٢] فلو عبدتم الله وطلبتم رضاه في جميع الأحوال لما كنتم بهذه المثابة ، الّتي يأنف منها أولو الألباب ، ولهذا قال تعالى : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) (٦٢) ، الأمر بالسجود لله خصوصا ، يدل على فضله ، وأنه سر العبادة ولبها ، فإن روحها الخشوع لله ، والخضوع له ، والسجود أعظم حالة يخضع بها العبد ، فإنه يخضع قلبه وبدنه ، ويجعل أشرف أعضائه على الأرض المهينة ، موضع وطء الأقدام. ثمّ أمر بالعبادة عموما ، الشاملة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال ، والأقوال الظاهرة والباطنة. تم تفسير سورة النجم ـ والحمد لله.