فمن الضرورى انها لا تحصل إلّا في الموارد التى يريد المتكلم ابراز المعنى باللفظ حال ارادته له ، وايصاله للغير. فبناء عليه تكون الدلالة التى جعلها الواضع تابعة للارادة ، هى الدلالة التصديقية.
اما الدلالة التصورية فليست مرتبطة بالواضع ، ولم تنشأ من جعله ، بل نشأت من كثرة الاستعمال ، وأنس الذهن بالانتقال الى المعنى عند سماع اللفظ ، فهى ليست بالدلالة الوضعية.
وأما النحو الثانى من الدلالة التصديقية ـ التى هى عبارة عن ارادة تفهيم المعنى للمتكلم واقعا ـ فقد ثبتت بالسيرة العقلائية حيث جرت سيرتهم على حمل كل ما يصدر من العاقل الشاعر على أنه صدر عن جد بلا فرق بين الاستعمالات وغيرها. ولا يعتنون باحتمال صدوره عن خطا ، أو سهو ، او سخرية ، فكل مورد لم تقم قرينة على الخلاف فيه فالعقلاء يحكمون بمطابقة المراد الجدى للمراد الاستعمالى.
وقد أورد صاحب الكفاية ـ قده ـ على تبعية الدلالة للارادة بوجوه :
الوجه الاول ـ ان قصد المعنى وتفهيمه من مقومات الاستعمال ، وهو بمرتبة متأخرة عن الوضع. وما هو من مقومات الاستعمال كيف يؤخذ فى المستعمل فيه أو الموضوع له؟.
والجواب عنه ـ انا لا ندعى وضع اللفظ بإزاء ارادة المعنى كى يتوجه عليه الاشكال ، وانما ندعى وضعه بإزاء المعنى حين ما يتعلق به ارادة التفهيم. فالمستعمل فيه نفس المعنى ، والالتزام قد تعلق بتفهيمه حين ما يتكلم بذلك اللفظ. فان الاستعمالات الخارجية انما هى فى مرحلة التطبيق لما تقرر التزامه عليه ، واخراج ما كان ثابتا بالقوة الى الفعل. فالمعنى