أرقى معاني العبودية والرقية ، ولأجل ذلك تصرف النّفس عن جملة من المنكرات وتؤثر في استعدادها للانتهاء عنها من جهة مضادة كل جزء من اجزائها لمنكر خاص ، فان المصلى الملتفت إلى وجود مبدأ ومعاد إذا قرأ قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) التفت إلى أن لهذه العوالم خالقا ، هو ربهم ، وهو رحمان ورحيم ، وإذا قرأ قوله تعالى (مالك يوم الدين) التفت إلى ان الله يسأل عما ارتكبه من القبائح ويجازى عليه في ذلك اليوم ، وإذا قرأ قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) التفت إلى ان العبادة ، والاستعانة منحصرتان به تعالى وتقدس ، ولا يصلح غيره للعبادة والاستعانة ، وإذا قرأ (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) التفت إلى ان طائفة قد خالفوا الله وعصوه عناداً ، ولأجله وقع عليهم غضبه تعالى وسخطه ، أو انهم خالفوه بغير عناد فصاروا من الضالين ، وهناك طائفة أخرى قد أطاعوا الله ورسوله فوقعوا في مورد نعمائه تعالى ورضاه ، ففاتحة الكتاب بمجموع آياتها تكون عبرة وعظة للمصلين الملتفتين إلى معاني هذه الآيات ، ثم إذا وصل المصلى إلى حد الركوع والسجود فركع ثم سجد التفت إلى عظمة مقام ربه الجليل ، وان العبد لا بد أن يكون في غاية تذلل ، وخضوع ، وخشوع إلى مقامه الأقدس ، فانهما حقيقة العبودية ، وأرقى معناها ، ومن هنا كانت عبادتيهما ذاتية.
ومن هنا كان في الركوع والسجود مشقة على العرب في صدر الإسلام فالتمسوا النبي صلىاللهعليهوآله ان يرفع عنهم هذا التكليف ويأمرهم بما شاء ، وذلك لتضادهما الكبر والنخوة ، وبما ان ال «صلاة» تتكرر في كل يوم ، وليلة عدة مرات فالالتفات إلى معانيها في كل وقت أتى بها لا محالة تؤثر في النّفس ، وتصرفها عن الفحشاء والمنكر.
(الثاني) ان الصلاة باعتبار انها مشروطة بعدة شرائط فهي لا محالة تنهى عن الفحشاء والمنكر فان الالتزام بإباحة المكان ، واللباس ، وبالطهارة من الحدث