والآخر الأحكام الوضعيّة : كالملكية والزوجية والرقية ونحوها ؛ وكلتاهما من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلا في عالم الاعتبار. نعم الشرطية والسببية والمانعية ونحوها ، من الأمور الانتزاعية التي تنتزع من القيود الوجودية أو العدمية المأخوذة في متعلقات الأحكام أو موضوعاتها ، ولهذا لا تكون موجودة في عالم الاعتبار إلا بالتبع ، ولكن مع ذلك هي تحت تصرف الشارع رفعاً ووضعاً ، من جهة ان منشأ انتزاعها تحت تصرفه كذلك.
وإن شئت قلت : ان محمولات مسائل علم الفقه على سنخين : أحدهما موجود في عالم الاعتبار بالأصالة ، كجميع الأحكام التكليفية ، وكثير من الأحكام الوضعيّة. والآخر موجود فيه بالتبع كعدة أخرى من الأحكام الوضعيّة.
ومن هنا ظهر حال بعض محمولات علم الأصول أيضاً ، كحجية خبر الواحد والإجماع المنقول ، وظواهر الكتاب ، وأحد الخبرين المتعارضين في هذا الحال ونحوها ؛ فانها من الأمور الاعتبارية حقيقة وواقعاً ، بل البراءة والاحتياط الشرعيان ، أيضاً من هذا القبيل.
نعم محمولات مثل مباحث الألفاظ والاستلزامات العقلية والبراءة والاحتياط العقليين ، ليست من الأمور الاعتبارية في اصطلاح الأصوليين ، وان كانت كذلك في اصطلاح الفلاسفة ؛ فان المصطلح عندهم إطلاق الأمر الاعتباري على الأعم منه ومن الأمر الانتزاعي كالإمكان والامتناع ونحوهما. والمصطلح عند الأصوليين : إطلاق الأمر الاعتباري في مقابل الأمر الانتزاعي الواقعي.
إذا عرفت ذلك فأقول : لو سلم ترتب الغرض الواحد على نفس مسائل العلم الواحد ، فلا يكاد يعقل أن يكشف عن جامع واحد مقولي بينها ، ليقال ان ذلك الجامع الواحد يكشف عن جامع كذلك بين موضوعاتها ، بقاعدة السنخية والتطابق ؛ ضرورة انه كما لا يعقل وجود جامع مقولي بين الأمر الاعتباري والأمر التكويني ، كذلك لا يعقل وجوده بين أمرين اعتباريين أو أمور اعتبارية