الاستنتاج في علم المنطق ، وصون اللسان عن الخطأ في المقال في علم النحو ، والاقتدار على الاستنباط في علم الأصول ، وهكذا ، ليس واحداً بالذات ، بل بالعنوان الّذي انتزع من مجموع أغراض متعددة بتعدد القواعد المبحوث عنها في العلوم ، ليشار به إلى هذه الأغراض ، فإذاً كيف يكشف مثل هذا الواحد عن جامع ذاتي؟ فان الواحد بالعنوان لا يكشف إلا عن واحد كذلك.
وثانياً : ان الغرض المترتب على كل علم ، لا يترتب على نفس مسائله الواقعية وقواعده النّفس الأمرية ، ليكشف عن جامع وحداني بينها ، ويقال ان ذلك الجامع الوحداني موضوع العلم ومؤثر في ذلك الغرض. وهذا ـ لعله ـ من أبده البديهيات فان لازم ذلك حصول ذلك الغرض لكل من كان عنده كتب كثيرة من علم واحد أو علوم مختلفة ، من دون أن يكون عالماً بما فيها من القواعد والمسائل بل هو مترتب على العلم بنسبها الخاصة ، وبثبوت محمولاتها لموضوعاتها ؛ فان الاقتدار على الاستنباط في علم الأصول ، إنما يترتب على معرفة قواعده : بان يعرف حجية أخبار الثقة ، وحجية ظواهر الكتاب ، والاستصحاب ، ونحوها ؛ فإذا عرف هذه القواعد ، وعلم بنسبها الخاصة ، يحصل له الاقتدار على الاستنباط. وصون اللسان عن الخطأ في المقال في علم النحو ، إنما يحصل لمن يعرف مسائله وقواعده ؛ كرفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه ، ونحو ذلك وصون الفكر عن الخطأ في علم المنطق ، إنما يترتب على معرفة قوانينه وقواعده ، كإيجاب الصغرى وكلية الكبرى وتكرر الحد الأوسط ، وهكذا. فلا بد من تصوير الجامع حينئذ بين العلوم أو ـ لا أقل ـ بين النسب الخاصة ، لا بين الموضوعات.
وثالثاً : ان المحمولات التي تترتب على مسائل علم الفقه بأجمعها وعدة من محمولات مسائل علم الأصول ، من الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها عدا اعتبار من بيده الاعتبار ؛ فان محمولات مسائل علم الفقه على قسمين : أحدهما الأحكام التكليفية : كالوجوب ، والحرمة ، والإباحة ، والكراهة ، والاستحباب