وبعد ذلك نقول : قد استدل شيخنا الأستاذ ـ قده ـ على استحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد بما ملخصه : ان حقيقة الاستعمال ليست إلا عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ وإلقائه إلى المخاطب خارجاً ، ومن هنا لا يرى المخاطب الا المعنى ، فانه الملحوظ أولا وبالذات ، واللفظ ملحوظ بتبعه وفان فيه ، وعليه فلازم استعمال اللفظ في المعنيين على نحو الاستقلال تعلق اللحاظ الاستقلالي بكل واحد منهما في آن واحد كما لو لم يستعمل اللفظ إلا فيه ، ومن الواضح ان النّفس لا تستطيع على ان تجمع بين اللحاظين المستقلين في آن واحد ، ولا ريب في أن الاستعمال في أكثر من معنى واحد يستلزم ذلك والمستلزم للمحال محال لا محالة ، ويرده :
ان الأمر ليس كما ذكره ـ قده ـ وذلك لأن النّفس بما انها جوهر بسيط ، ولها صفحة واسعة تقتدر على ان تجمع بين اللحاظين المستقلين في صفحتها في آن واحد. ويدلنا على ذلك أمور :
(الأول) : ان حمل شيء على شيء والحكم بثبوته له كقولنا زيد قائم ـ مثلا ـ يستدعى لحاظ كل من الموضوع والمحمول والنسبة في آن واحد ، وهو آن الحكم وإلا لكان الحكم من النّفس ممتنعاً ، ضرورة ان مع الغفلة لا يمكن الحكم بثبوت شيء لشيء إذاً لا مانع من الجمع بين اللحاظين المستقلين في آن واحد ، فان الحمل والحكم دائماً يستلزمان ذلك ، كيف فان المتكلم حين الحكم لا يخلو أما أن يكون غافلا ، وأما أن يكون ملتفتاً إلى كل واحد من الموضوع والمحمول والنسبة ، ولا ثالث ، وحيث أن الأول غير معقول فتعين الثاني. وهذا معنى استلزام الحمل والحكم. الجمع بين اللحاظين الاستقلاليين.
(الثاني) : قد يصدر من شخص واحد فعلان أو أزيد في آن واحد وبان يكون أحدهما بآلة ، والآخر بآلة أخرى ـ مثلا ـ الإنسان يشتغل لسانه بالكلام ويحرك يده في آن واحد ، ومن البين ان كلا منهما فعل اختياري مسبوق بالإرادة واللحاظ ، وعليه فالإتيان بفعلين في آن واحد لا محالة يستلزم لحاظ كل واحد منهما بلحاظ استقلالي في آن كذلك