بتمام ألفاظ لغة واحدة فضلاً عن جميع اللغات ، فإذا امتنع أن يكون البشر واضعاً تعين ان الله تعالى هو الواضع الحكيم.
الثاني : انه على فرض تسليم ان البشر قادر على وضع الألفاظ لمعانيها بمعنى ان شخصاً أو جماعة معينين من أهل كل لغة يتمكن من وضع ألفاظها لمعانيها إلا انه لما كان من أكبر خدمات للبشر فلا بد من تصدى التواريخ لضبطه التي هي معدة لضبط الأخبار السالفة والوقائع المهمة خصوصاً مثل هذا الأمر المهم ، مع أنه لم يكن فيها عن حدوث الوضع في أي عصر وزمان وعن من تصدى له عين ولا أثر ، فإذا فرض ان البشر كان هو الواضع لنقل ذلك في التواريخ فانها تتكفل بنقل ما هو دونه فكيف بمثله؟
ولكن للتأمل في جميع هذه الأمور مجالا واسعاً :
أما الأول فيظهر ضعفه مما نذكره من ضعف ما اعتمد عليه من الوجهين المذكورين.
واما الثاني فيرده انه تحرص على الغيب ، لما قد سبق من انه لا دليل على وجود هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني بل الدليل قائم على عدمها في الجميع.
واما الثالث فيرد عليه انا لو سلمنا وجود المناسبة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى فلا نسلم ان الواضع جعل لكل معنى لفظاً مخصوصاً على طبق تلك المناسبة ، وذلك لأن الغرض من الوضع يحصل بدون ذلك ، ومعه فأي شيء يستدعى رعاية تلك المناسبة في الوضع؟ اللهم إلا ان يتمسك بذيل قاعدة استحالة الترجيح من دون مرجح ، ولكن قد عرفت بطلانها.
واما الرابع وهو ان الوضع وسط بين الأمور التكوينية والجعلية ، فهو مما لا يرجع إلى معنى محصل ، وذلك لعدم واسطة بينهما ، ضرورة ان الشيء إذا كان من الموجودات الحقيقية التي لا تتوقف في وجودها على اعتبار أي معتبر ، فهو من الموجودات التكوينية ، وإلا فمن الأمور الاعتبارية الجعلية ؛ ولا نعقل ما يكون وسطا بين الأمرين. واما حديث الإلهام فهو حديث صحيح ولا