إلى تفهيمها في أعصارهم ، وقد سبق أن الوضع تدريجي الحصول فيزيد تبعاً لزيادة الحاجة في كل قرن وزمن.
ومن ذلك تبين ملاك ان كل مستعمل واضع حقيقة ؛ وأما إطلاق الواضع على الجاعل الأول دون غيره فلأسبقيته في الوضع لا لأجل انه واضع في الحقيقة دون غيره.
ولكن ربما يشكل بان التعهد والالتزام حسب ما ارتكز في الأذهان ، أمر متأخر عن الوضع ومعلول له ، فان العلم بالوضع يوجب تعهد العالم به بإبراز المعنى عند قصد تفهيمه بمبرز مخصوص ، لا انه عينه. ومن هنا لا يصح إطلاق الواضع على غير الجاعل الأول ، فلو كان معنى الوضع ذلك التعهد والالتزام النفسانيّ لصح إطلاقه على كل مستعمل من دون عناية ، مع ان الأمر ليس كذلك.
والجواب عنه ان يقال : انه لو أريد بتأخر التعهد عن الوضع تعهد المتصدي الأول للوضع فذاك غير صحيح ، وذلك لأن تعهده غير مسبوق بشيء ما عدا تصور اللفظ والمعنى ، ومن الواضح أن ذلك التصور ليس هو الوضع بل هو من مقدماته ولذا لا بد منه في مقام الوضع بأي معنى من المعاني فسر ؛ وعليه فنقول : ان المتصدي الأول له بعد تصور معنى خاص ولفظ مخصوص ، يتعهد في نفسه بأنه متى قصد تفهيمه ، ان يجعل مبرزه ذلك اللفظ ثم يبرز ذلك التعهد بقوله : «وضعت» أو نحوه في الخارج.
ومما يدلنا على ذلك بوضوح ، وضع الاعلام الشخصية ، فان كل شخص إذا راجع وجدانه ظهر له أنه إذا أراد أن يضع اسماً لولده ـ مثلا ـ يتصور أولا ذات ولده وثانياً لفظاً يناسبه ثم يتعهد في نفسه بأنه متى قصد تفهيمه يتكلم بذلك اللفظ ، وليس هاهنا شيء آخر ما عدا ذلك.
وان أريد به تعهد غيره من المستعملين ، فالأمر وان كان كذلك ـ يعنى ان تعهدهم وان كان مسبوقاً بتعهده ـ إلا إنه لا يمنع عن كونهم واضعين حقيقة ،