المفاهيم الأدوية بأجمعها معان إيجادية في الكلام ولا تقرر لها في عالم المفهومية ولا استقلال بذاتها وحقيقتها. وبيان ذلك : ان الموجودات في عالم الذهن ، كالموجودات في عالم العين ، فكما ان الموجودات في عالم العين على نوعين :
أحدهما : ما يكون له وجود مستقل بحد ذاته في ذلك العالم ، كالجواهر بأنواعها من النّفس والعقل والصورة والمادة والجسم ؛ ولذا قالوا : ان وجودها في نفسه لنفسه يعنى لا يحتاج إلى موضوع محقق في الخارج.
وثانيهما : ما يكون له وجود غير مستقل كذلك في هذا العالم ، بل هو متقوم بالموضوع ، كالمقولات التسع العرضية فان وجوداتها متقومة بموضوعاتها ، فلا يعقل تحقق عرض ما بدون موضوع يتقوم به ؛ ولذا قالوا : ان وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فكذلك الموجودات في عالم الذهن على نوعين :
أحدهما : ما يكون له استقلال بالوجود في عالم المفهومية والذهن ، كمفاهيم الأسماء بجواهرها وأعراضها واعتبارياتها وانتزاعياتها ، فان مثل مفهوم الإنسان والسواد والبياض وغيرها من المفاهيم المستقلة ذاتاً ، فانها تحضر في الذهن بلا حاجة إلى أية معونة خارجية ، سواء كانت في ضمن تركيب كلامي أم لم تكن ؛ بل لو فرضنا فرضاً انه لم يكن في العالم مفهوم ما عدا مفهوم واحد ـ مثلا ـ لما كان هناك ما يمنع من خطوره في الذهن ، فظهر أن حال المفاهيم الاسمية في عالم المفهوم والذهن حال الجواهر في عالم العين والخارج.
وثانيهما : ما لا استقلال له في ذلك العالم ، بل هو متقوم بالغير كمعاني الحروف والأدوات ؛ فانها بحد ذاتها وأنفسها متقومة بالغير ومتدلية بها ، بحيث لا استقلال لها في أي وعاء من الأوعية التي فرض وجودها فيه لنقصان في ذاتها ؛ فعدم الاستقلالية من ناحية ذلك النقصان لا من ناحية اللحاظ فقط ، فلذا لا تخطر في الذهن عند التكلم بها وحدها أي (من دون التكلم بمتعلقاتها) فلو أطلق كلمة (في) وحدها أي (من دون ذكر متعلقها) فلا يخطر منها شيء في الذهن.