اما عدم ثبوت الأمر الأول فلا مكان ان نلتزم بما نسب إلى السكاكي من ان اللفظ يستعمل دائماً في المعنى الموضوع له ، غاية الأمر ان التطبيق قد يكون مبتنياً على التنزيل والادعاء بمعنى ان المستعمل ينزل شيئاً منزلة المعنى الحقيقي ويعتبره هو فيستعمل اللفظ فيه فيكون الاستعمال حقيقياً ، ولا بعد فيما نسب إليه ، فان فيه المبالغة في الكلام الجارية على طبق مقتضى الحال ؛ وهذا بخلاف مسلك القوم ، فانه لا مبالغة فيه إذ لا فرق حينئذ بين قولنا (زيد قمر) وقولنا (زيد حسن الوجه) أو بين قولنا (زيد أسد) وقولنا (زيد شجاع) مع ان مراجعة الوجدان تشهد على خلاف ذلك ، ووجود الفارق بين الكلامين.
ونظير ذلك ما ذكره المحقق صاحب الكفاية ـ قده ـ من ان كلمة (لا) في مثل قوله عليهالسلام «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» إنما استعمل في نفي الحقيقة لكنه على نحو الادعاء والمبالغة لا في نفي الصفة أو الكمال وإلا فلا دلالة في الجملة على المبالغة.
وقد ذكرنا في بعض مباحث الفقه ان المبالغة ليست من افراد الكذب ولا مانع منها في ما إذا اقتضتها الحال.
وقد تلخص من ذلك ان ما نسب إلى السكاكي من إنكار المجاز في الكلمة وان جميع الاستعمالات بشتى أنواعها واشكالها استعمالات حقيقية أقرب إلى الحق.
وعلى ذلك لا يبقى مجال لهذا البحث فان موضوعه الاستعمال المجازي والمفروض انه لا مجاز في الكلمة حتى يقع البحث في أن صحته متوقفة على الاذن أو على الطبع. بل المجاز حينئذ إنما هو في الإسناد والتطبيق وبعد التصرف في الإسناد وتنزيل المعنى المجازي بمنزلة المعنى الحقيقي واعتباره فرداً منه ادعاء فالاستعمال استعمال في المعنى الحقيقي لا محالة.
واما عدم ثبوت الأمر الثاني فلما حققناه سابقاً في مبحث الوضع من أن الواضع لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة ولا سيما على مسلكنا من انه عبارة عن (التعهد والالتزام