فليس في الروايات ما يفيد تمام المطلوب من كل وجه ، إذ أقصى ما تفيده تلك الأخبار بعد التسليم عدا خبر يونس أن المستحب زيادة لفافة ، وأما أنها حبرة عبرية ونحو ذلك فلا ، اللهم إلا أن يتمم بالإجماع المركب ، لكنه محل منع ، بل لعل الأقوى في نظري أن استحباب الحبرة ليس مخصوصا بالثوب الرابع ، بل يجزئ لو كان هو الثالث مع الاقتصار على الثلاثة على ما صرح به كاشف اللثام ، ويدل عليه كثير من الأخبار المتقدمة ، بل ومع عدم الاقتصار عليها بأن زيد لفافة غير حبرة ، وجعل الحبرة هي الثالثة ، وإن كان الأولى مع وجود الحبرة أن تجعل اللفافة الثانية ، كما يشعر به خبر يونس في أحد الاحتمالين.
ومما ذكرنا يظهر لك أن استحباب اللفافة الثانية ليس مشروطا بالحبرة ، بل هي في نفسها مستحبة ، فمع عدم وجود الحبرة يستحب حينئذ لفافة ثانية على ما يشعر به خبر البرد وغيره ، وصرح به بعضهم ، وإن كان قضية بعض عبارات الأصحاب ذلك من حيث تقييد اللفافة الزائدة بالحبرة ، لكن التأمل قاض بأن مرادهم المستحب في المستحب ، وكذا التقييد بالعبرية ، فلا ينتفي حينئذ الخطاب بالاستحباب عند انتفاء العبرية ، على أنهم لا دليل لهم واضح من الروايات على استحباب العبرية في الزائدة ، إذ ليس إلا نحو قول الباقر عليهالسلام في خبر زرارة (١) : « كفن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين ، وثوب يمنية عبري أو أظفار » وهو مع اشتماله على الترديد كما ترى لا دلالة فيه على اعتبار ذلك فيما نحن فيه من اللفافة الثانية.
لكنك قد عرفت أنه معقد إجماعي المعتبر والتذكرة ، وكأن الأصحاب جعلوا ما يستفاد من الأخبار من استحباب كون الثوب الثالث حبرة عبرية لما ذكروه من اللفافة
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.