هذا إذا كان ابتداء ، وأما لو أريد حفر قبر فيه ميت مع العلم ليدفن فيه ميت آخر ففي المبسوط وعن النهاية كراهيته ، كما هو قضية إطلاق العبارة والقواعد ، مع أنه صرح فيه أيضا بما يقتضي حرمة ذلك كما اختاره جماعة ، بل في الذكرى أن عليه إجماع المسلمين.
قلت : ولعله كذلك لحرمة النبش ، ولأنه صار حقا للأول خاصة ، كما عساه يومي إليه ما دل على قطع يد السارق منه ، لكونه حرزا له ، وعدم جواز تحويله منه إلى غيره ، ومن هنا حمل المصنف في المعتبر الكراهة فيه على الحرمة ، لكن قد يناقش بأن النبش أمر خارج عما نحن فيه من كراهة الدفن بعد النبش وعدمها ، وبأن دعوى أحقيته به بحيث يمنع من مثل هذا التصرف حتى لو كان مالكا للأرض ممنوع ، ولا دلالة لأخبار القطع عليه عند التأمل ، كما أن عدم جواز تحويله لو سلم لا يقضي بمنع دفن غيره معه ، ولعله لذا كان الأقوى الكراهة مطلقا من غير فرق بين المقامين على حسب ما عرفت ، ولا بين الأزج أي البيت الذي يبنى طولا وغيره ، وإن كان الأول قد لا يسمى نبشا.
هذا كله مع الاختيار ، أما مع الضرورة فلا ريب في ارتفاع الكراهة ، كما قد « روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) يوم أحد يجعل اثنين وثلاثة في قبر ، وتقديم أكثرهم قرآنا ، » وفي المعتبر والتذكرة ونهاية الأحكام تقديم الأفضل ، وأنه ينبغي جعل حاجز بين كل اثنين ليشبها المنفردين ، وعن المهذب جعل الخنثى خلف الرجل وأمام المرأة ، وجعل تراب حاجزا بينهما.
قلت : لم أعثر على خبر يدل على هذا التفصيل كغيره من التفصيل المذكور عند الأصحاب ، فليس إلا مراعاة الجهات العامة كالأبوة ونحوها ، والاستئناس
__________________
(١) كنز العمال ج ـ ٨ ـ ص ـ ١١٩ ـ الرقم ٢٢١٤.