كما أن دعوى أنه عبادة فلا تصح من الكافر كذلك أيضا ، إذ ذلك ـ بعد تسليم أن غسل الميت من العبادات وأنه لا تجزى فيه نية الكافر كما أجزأت في العتق ونحوه ـ اجتهاد في مقابلة النص ، مع أنه قال في كشف اللثام : « يمكن أن يكون ما ذكروه من أمر المسلم أو المسلمة إشارة إلى أن المتولي للنية أو هي والصب المسلم » كما احتمل مثله الشهيد ، فقال : « الظاهر أن الأمر انما هو لتحصيل هذا الفعل ، لا أنه شرط ، لخلو الرواية منه وللأصل ، إلا أن يقال ذلك الأمر يجعل فعل الكافر صادرا عن المسلم ، لأنه آلة له ، ويكون المسلم بمثابة الفاعل ، فتجب النية منه » انتهى.
وأولى من ذلك القول بأن ذلك ليس من باب التغسيل المعهود المشروط فيه النية ، بل شيء أوجبه الشارع في هذا الحال وإن وافقه في الصورة ، كما قد يرشد إلى ذلك تصريح بعضهم بأنه صوري وأنه يجب الغسل مع وجود المسلم على ما ستعرف ، فلا يكون حينئذ مخالفا إلا لأصالة البراءة ونحوها من الأصول التي تنقطع بأدنى دليل ، فظهر لك أنه لا وجه للاعراض عن تلك الأخبار كما وقع للمعتبر ، وربما تبعه بعض من تأخر عنه ، ومن الغريب حملها على التقية من بعضهم من حيث دلالتها على طهارة أهل الكتاب ، مع أن المنقول هنا عن جميع العامة عدا سفيان الثوري عدم جواز التغسيل ، لعدم صحة العبادة من الكافر ، وهو شاهد آخر على قبولها ، لأن الرشد في خلافهم ، فالأقوى حينئذ ما قلنا إلا أنه ينبغي الاقتصار على مضمون الأخبار ، فلا يتعدى إلى غير أهل الكتاب وإن أطلق كثير من الأصحاب الكافر ، اللهم إلا أن يدعى عدم القول بالفصل ، وعدم تعقل الفرق عند من يقول بنجاسة الكل ، أو يقال : بابتناء الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء ، وأما النية فالحال في الكل واحد إما بارتكاب عدم الاشتراط هنا أو بأن الكافر من قبيل الآلة ، ولا ريب في ضعف ذلك كله ، إذ عدم الوصول إلى الفارق ليس وصولا للعدم ، فالمتجه حينئذ التقييد بالذمي ، بل لا يبعد عدم إلحاق