وقبض الواهب له إنما يفيد تعيينا له من بين الأفراد ، لا أنه يحدث ملكا جديدا ، بل التأمل الصادق يقتضي عدم الفرق بين المقام ، وبين هبة المشاع الذي هو كلي أيضا فلو وهبه كذلك ، ثم عينه الواهب ودفعه إلى الموهوب له لم يكن إشكال في صحته ، لعموم الأدلة فكذلك المقام.
هذا كله مع إرادة قبض الشخصي فيه ، أما إذا وهبه كليا ، لأنه مال مملوك له متحقق ، ولذا جاز جريان غير الهبة عليه من النواقل ، ثم أراد إقباضه على كليته بأن إذن للموهوب بقبضه على وجه التقابض بينه وبين من عليه الدين ، إذا فرض كون الموهوب مديونا لمن عليه الذين بقدرة ، ولا قائل بالفرق ـ فلا إشكال فيه حينئذ. كل ذلك مضافا إلى ما يشعر به صحيح صفوان (١) « سألت الرضا عليهالسلام عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده ، فذكر له الرجل المال الذي له عليه ، فقال له : ليس عليك فيه شيء في الدنيا والآخرة ، يطيب ذلك له؟ وقد كان وهبه لولد له؟ قال نعم وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا » ـ من صحة هبته ، وإنما جاز له نزعه منه لعدم حصول القبض وإطلاق لفظ النزع باعتبار إيجاد عقد الهبة الذي هو جزء السبب الملك.
ومن ذلك يظهر لك أن حمل الخبر على ما ذكرنا أولى من طرحه ورميه بالندور أو تأويله بإرادة المجاز من إطلاق الهبة ، بمعنى العزم عليها ونحو ذلك ، كما أنه ظهر لك منه قوة القول بالصحة ، كما عن المبسوط والسرائر والمختلف وغيرها ، وفي المسالك أنه متجه ، بل عن المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا ، ولعله لذا ترك الترجيح في محكي التذكرة والإيضاح والدروس.
هذا كله في هبة الدين لغير من هو عليه وإن كانت له صح بلا خلاف أجده فيه ، بل في بعض كتب مشايخنا ظاهر هم الاتفاق عليه ولعله لصحيح معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليهالسلام « سألته عن الرجل يكون له على الرجل دراهم فيهبها له ، إله أن يرجع فيها؟ قال : لا ».
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.