وفي الثاني قد جعل الضرب الذي لا يجوز الرجوع فيه ما استهلكت فيه الهبة أو تعوض عنها ، وكانت لذي رحم ، أو كان الموهوب له ممن يصح التقرب بصلته إلى الله تعالى وقال : الضرب الثاني ما عدا ما ذكرنا ، ويدل على ذلك الإجماع وهو الحجة بعد استصحاب الجواز وخصوص إطلاق ما دل عليه من المعتبرة المستفيضة المتقدمة سابقا التي لا يقدح في دلالتها على ذلك خروج ما خرج منها بدليله ، بعد ما تحرر في الأصول « أن العام المخصوص حجة في الباقي ».
وفيه أن بعض ما سمعت يكفي في الخروج عن ذلك ، فضلا عن جميعه ، إذ العام لا يعارض الخاص ، والمطلق لا يعارض المقيد ، فضلا عن مثل المقام الذي قد عرفت اعتضاد أدلته مع اعتبارها في نفسها بالشهرة العظيمة والفرض عدم معارضة شيء لها عدا مطلقات ، حتى إجماع الغنيمة ، فإن معقده عام فلا يعارض ما عرفت من الإجماعات الخاصة وغيرها.
ومن الغريب ما في الرياض من جعله العمدة في دليل هذا القول ، حتى أنه مال إليه بعد شدة اضطراب في آخر كلامه ، وأغرب من ذلك كله التمسك في هذه المسألة للقولين بعمومات ومطلقات ونحوهما ، مع أن العمدة إنما هو صحيح الحلبي (١) ، بل لا دليل على اللزوم بالتلف الذي اتفقوا عليه إلا هو ، بل ربما كان ظاهر من خص الحكم بالتلف ، دون باقي التصرف أنه فهم منه منافاته خاصة للقيام بعينها ، وإن كان هو كما ترى ، ضرورة أنه كما يدل على غيره مما لا يصدق عليه شرط الرجوع الذي هو على الظاهر بقاء نفس عين الموهوب قائما في يد المتهب بالهبة السابقة ليستحق الرجوع به ، فمتى تصرف فيه تصرفا منافيا لذلك لم يجز الرجوع ، لانتفاء شرطه ، ويمكن إرادة القائل باللزوم به التصرف الذي هو كذلك لا مطلقه الذي لا ينافي شيئا من ذلك ويصدق معه بقاء نفس العين قائمة في يد المتهب ، وإلا لم يبق لأخبار جواز الرجوع في الهبة على كثرتها موضوع ، ضرورة صدق التصرف بوضعه بعد قبضه ويسقى الدابة وعلفها ولمسها وركوبها ونحو ذلك كما أنه يمكن إرادة المصنف عدم اللزوم بمطلقه لا ما كان منه نحو التلف في انتفاء شرط الرجوع. وحينئذ تلتئم كلمة الجميع ، وتذهب متعبة ثاني الشهيدين وأطنابه في
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.