كما أن ما فيه أيضا ـ بعد تسليم اللزوم في هذا العقد ، بمعنى عدم جواز الامتناع من بذل العوض بعد تمام العمل لما في ذلك من الضرر على السابق بتضييع عمله المحترم الذي لم يقع إلا برضاه ، بدفع العوض عنه « من منع اللزوم بمعنى وجوب العمل عليه ابتداء ، وعدم جواز الفسخ قبله أو بعده قبل التمام ، للأصل ، ولأنه إنما التزم فيه ببذل العوض بعد حصول السبق ، إذ لا معنى لقوله من سبق فله كذا غير ذلك وهو غير الالتزام بنفس العمل في العوض في بدو الأمر بل حالها حينئذ كالجعالة ، فلكل منهما فسخها ابتداء ، أو في الأثناء ، ولكن يجب على المسبوق منهما للسابق بذل العوض الذي عيناه ـ ».
لا يخلو من نظر أيضا ، ضرورة عدم الدليل على أن كيفية العقد ما ذكره ، بل لعل الظاهر خلافه ، وأن ذلك يذكر بعد إنشائهما الالتزام بالمسابقة والمراماة الذي مقتضاه وجوب فعل ذلك منهما كما هو مقتضى العقود اللازمة ، وكأنه لا خلاف فيه ، قال الفاضل في القواعد وعلى اللزوم يجب البدء بالعمل ، لا بتسليم السبق ، وفي جامع المقاصد في شرح ذلك : « الظاهر أنه لا خلاف فيه ».
بل لا يخفى على من تأمل غير ذلك من كلماتهم خصوصا القواعد والتذكرة وجامع المقاصد أنه لا إشكال على اللزوم في وجوب العمل ، وعدم جواز الفسخ ، بل يظهر من القواعد وغيرها التوقف في الفسخ على الجواز في بعض الصور ، قال فيها بعد أن استقرب الجواز ـ فلكل منهما فسخه قبل الشروع ، ويبطل بموت الرامي والفرس ولو مات الفارس فللوارث الإتمام على أشكال ، إلى أن قال : وإن كان بعد الشروع وظهور الفضل ، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهام أكثر ، فللفاضل الفسخ لا المفضول على أشكال ، بل في جامع المقاصد « إن الأصح عدم الجواز » وهو مقرب التذكرة ، لأن ذلك يؤدي إلى سد باب المسابقة ، إذ متى ظهرت أمارات الغلبة لأحدهما فسخ الآخر ، وإن كان هو كما ترى بعد استصحاب بقاء الجواز.
نعم ربما كان ذلك مؤيدا للقول باللزوم من الأصل ، ثم لا يخفى عليك ما في قوله للوارث الإتمام ، إذ لا ريب في الانفساخ على اللزوم ، فضلا عن الجواز ، ضرورة كون المغالبة وقعت بين الشخصين ، لا ورثتهما فهو كالمستأجر المشترط عليه المباشرة.