لكن في المسالك بعد ذلك كله قال : « فيه نظر ، لأن المضاربة وإن لم تقتض تفويت شيء من التركة على تقدير تسليمه ، مشتملة على وضع اليد على مال الغير بغير إذنه ، خصوصا إذا كان مكلفا ، وتعريضه بالضرب في الأرض إلى التلف المؤدي إلى عدم الضمان مع عدم التفريط ، مضافا إلى ما لو وقعت بحصة قليلة للمالك في مدة طويلة ، كخمسين سنة ، وذلك في حكم منع الوارث من التركة أصلا وهو بطل ، وأما القول بأن النماء إنما يملكه العامل على تقدير صحة المعاملة ، وحينئذ فلا تفويت في مال الوارث ، وإن لم يصح لا يصح البيع ، ففيه إمكان جبره بإجازة المالك الشراء لنفسه ، ليكون جميع الربح له ، فيحصل التفويت على تقدير صحة البيع ، وحصول الربح للعامل ومن ثم ذهب ابن إدريس إلى أن الصحة مشروطة بكون المال قدر الثلث فيما دون اطراحا للأخبار وردا إلى الأصول المعلومة في هذا الباب ، وبعض المتأخرين إلى أن المحاباة في الحصة من الربح بالنسبة إلى أجرة المثل محسوبة من الثلث أيضا ، ولكل منهما وجه.
قلت : أما ابن إدريس فالمحكي من عبارته ما نصه « قد روى أنه إذا أمر الموصى الوصي أن يتصرف في تركته لورثته ، ويتجر لهم بها ، ويأخذ نصف الربح كان ذلك جائزا وحلالا له نصف الربح ، أورد ذلك شيخنا في نهاية ، إلا أن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث ما كان يملكه الميت قبل موته ، والربح متجدد بعد موته ، فكيف تنفذ وصيته وقوله فيه ، وفي الرواية نظر » وظاهره بطلان هذه الوصية من رأسها كابن أبي ليلى ، باعتبار كون متعلقها الربح الذي ليس من أمواله ، ووصيته إنما تنفذ في الثلث ، وهذا ليس منه ، لا أنها صحيحة في الفرض بمقدار الثلث ، وكيف مع أنه لم يوص بالثلث ، بل هو فيه كالثلثين للوارث.
نعم لو كان قد أوصى به وأخرجه عن الوارث ، ثم أوصى بالمضاربة به فلعل لازم كلام ابن إدريس الفساد ، وإن كان لم يتعرض لذلك ، ولا ريب في صحته ، لعموم أدلة الوصية ، فيصح تعلقها بمثل ذلك ، لكونه من التوابع ، فتأمل جيدا.
ومن ذلك ينقدح الوجه في تعرض الأصحاب لهذه المسألة ، وكون الغرض منها الرد على ابن إدريس وابن أبي ليلى ، حيث أنهما أبطلا هذه الوصية ، وجعلاها من قسم الوصية بالباطل ،