كونها في الثاني وصيتين متعاقبتين ، وقد عرفت سابقا حكم الوصايا المتعددة المتعاقبة ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة ، ثم قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه ، وأحلفوا على الزائد فلو قالوا ظننا أنه ألف درهم فظهر ألف دينار قضى عليهم بصحة الإجازة في خمسمائة درهم ، وأحلفوا على نفى ظن الزيادة ، أو عدم إجازتها ، لموافقة دعواهم لأصل عدم الإجازة ، ولأصل عدم العلم بالزائد ، المستند إلى أصل عدم الزيادة مضافا إلى أن المال مما يخفى ، وإلى أن دعويهم يمكن أن تكون صادقة ، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلهم ، لأن الظن من الأمور النفسانية ، فلو لم يكتف باليمين لزم الضرر ، لتعذر إقامة البينة على دعواهم.
وهذا الحكم وإن ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا ، وإن قال المصنف هنا فيه تردد لكنه محتاج إلى تفصيل ، ضرورة كون الظن المزبور تارة يكون ، من المقارنات ، بحيث لا يكون مقيدا للإجازة ، وأخرى يكون كذلك بأن يرجع إلى إجازة ما ظنوه أنه نصف ماله.
أما الأول فلا ريب في تأثير الإجازة فيما تعلقت به ، سواء كان المجيز ظانا لمصداق خاص أو قاطعا به ، أو مجردا عن ذلك ، ضرورة عدم مدخلية الحال المزبور في ذلك.
وأما الثانية فلا ريب في تقييد الإجازة باللفظ الذي له معنى في الواقع ، إنما الكلام في قبول دعوى ذلك منهم بعد فرض تعلق ما صدر منهم من الإجازة باللفظ الذي له معنى في الواقع ، ويجب الأخذ به في الإقرارات ، والنذور ، والوصايا ، والعقود ، وغيرها ، والأصل عدم ظنه قلة المال ، وعدم ظن كثرته ، ولو سلم فالأصل عدم تقييد الإجازة بذلك ، ومجرد وجود الظن أعم من ذلك كما عرفت ، فقبول الدعوى في أصل الظن وفي تقييد الإجازة بالمظنون مع ظهور ما أفادها في خلافه للضوابط الشرعية ، كما هو واضح.
ولعل تردد المصنف فيه من ذلك ، وإليه أو بعضه يرجع ما وجهه به في المسالك فإنه جعله مما سمعته أولا ، ومن تناول اللفظ للقليل والكثير ، والاقدام على ذلك مع كون المال مما يخفى ، فالرجوع إلى قولهم رجوع عن لفظ متيقن الدلالة على معنى يعم الجميع ، إلى دعوى ظن يجوز كذبه ولكن مع ذلك قال « الأقوى القبول ».