قال الله تعالى (١) ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ) إلى آخر الآية وقال جل شأنه : أيضا (٢) ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) ومن هنا أطلق المصنف ـ وغيره عدم وصايته عن المسلم من غير فرق بين تعلقها بالمسلمين وما في حكمهم أو غيرهم.
نعم يجوز أن يوصى إليه أي الكافر مثله في الكفر كما صرح به غير واحد ، بناء على عدم اشتراط العدالة ، بل وعلى اشتراطها ، بناء على ارادة الوقوف من اشتراطها ، ويكفي حينئذ عدالته في دينه ، إذ الغرض صيانة مال الطفل ، وأداء الأمانة ، وهو يحصل بالعدل منهم ، فما في الروضة ـ « من أن الأقوى المنع ، بالنظر إلى مذهبنا ، ولو أريد صحتها عندهم وعدمه ، فلا غرض لنا في ذلك ، ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم وإلا فاللازم الحكم ببطلانها بناء على اشتراط العدالة في الوصي ، إذ لا وثوق بعدالته في دينه ، ولا ركون إلى أفعاله ، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام » لا يخلو من نظر ، لحصول الوثوق وجدانا بل ربما يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل عدول المسلمين سيما المخالفين منهم ، ومخالفة أفعالهم لكثير من أحكام الإسلام تنافي عدالته في دينه.
ولعله لذا قال في المسالك : « ويحتمل قويا الحكم بصحتها مطلقا مع عدالته في دينه ، لأن الغرض منها صيانة مال الطفل وحفظ ماله وأداء الأمانة ، وإذا كان الكافر في دينه مجانبا للمحرمات ، قائما بالأمانات حصل الغرض المطلوب منه ، بخلاف فاسق المسلمين ، وإن كان فيه أيضا أنه يمكن فرض الوثوق بفاسق المسلمين ، كما عرفته سابقا هذا.
وقد يقال في أصل المسألة يمنع اشتراك الكفار مع المسلمين في هذا الحكم وإن قلنا به في غير المقام ، لاختصاص الدليل بالنهي عن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ، دون الكافرين بعضهم مع بعض ، بل مقتضى الآية الأخرى (٣) كونهم كذلك ، وحينئذ فحمل عبارة المصنف وغيره ـ « صحة وصية الكافر إلى الكافر » ـ على إرادة الإلزام بما في مذهبه وإن كان فاسدا عندنا ـ خلاف الظاهر.
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ٢٨.
(٢) سورة النساء الآية ١٣١.
(٣) سورة الأنفال الآية ٧٣.