بالملاك ، ومن هنا فهذه الوجوبات المتعدّدة ترجع روحا إلى وجوب واحد متعلقه هو الجامع بين هذه البدائل التي يفي كلّ واحد منها بملاك الوجوب ، غايته أنّ المولى بدل أن يجعل الوجوب على المتعلّق الكلّي « الجامع » جعله على أفراد الجامع ابتداء.
ثمّ إنّ الجامع ـ الذي هو متعلّق الوجوب روحا ـ قد يكون من قبيل العناوين المتأصّلة التي لها تقرّر وثبات في الواقع ولا تكون مخترعة ، وذلك مثل عنوان الفقير والإنسان وهكذا. وقد يكون الجامع من قبيل العناوين الانتزاعية والتي ينتزعها الذهن بواسطة نسبة شيء إلى آخر كعنوان أحدهما أو عنوان الأصغر أو الأكبر أو الكثير أو القليل وهكذا ، فإنّ هذه العناوين ليس لها تقرّر في الواقع وإنّما هي عناوين يدركها الذهن بواسطة إضافة عنوان أصيل مثلا إلى عنوان أصيل آخر. كما لو نسبنا حجم الشمس إلى حجم القمر فإنّ الذهن ينتزع من هذه النسبة والإضافة عنوان الأكبر للشمس وعنوان الأصغر للقمر ، وهكذا الحال في المقام فلو كان هناك شيئان بينهما تمام التباين إلاّ أنّ كلّ واحد منهما قابل لأن يفي بغرض المولى فإنّ الذهن وبواسطة ملاحظتهما من جهة اشتراكهما في الوفاء بالغرض ينتزع عنوان « أحدهما ».
وبهذا تمّ بيان التفسير الأول للوجوب التخييري الشرعي وهو يرجع روحا إلى التخيير العقلي ؛ وذلك لأنّنا ذكرنا أنّ التخيير العقلي هو عبارة عن وجوب واحد متعلّق بالجامع الكلي ويكون المكلّف في سعة من جهة اختيار أي فرد من أفراد الجامع في مقام امتثال التكليف ، غاية ما في الأمر أن الوجوب التخييري العقلي لا يتصدّى فيه المولى لبيان أفراد الجامع وإنّما