الثالث : العلّة المستنبطة والتي تكون واسطة في تعدية الحكم من الموضوع الأول إلى الموضوع المجهول الحكم باعتبار أنّ الموضوع الثاني إذا كان واجدا لنفس علّة ثبوت الحكم للموضوع الأوّل فهذا يقتضي اشتراكهما في الحكم.
ولكي يتّضح المطلب أكثر نذكر هذا المثال :
لو أردنا أن نبحث عن مطهريّة مادة الكحول « السبرتو » للخبث فإنّه بالإمكان التعرّف على مطهريتها أو عدم المطهريّة بواسطة قياس السبر والتقسيم ؛ إذ أنّه سيكشف عن علّة مطهريّة الماء للخبث ، فإذا ما وجدنا أنّ مادة الكحول مشتملة على علّة المطهريّة فإنّه يمكن حينئذ تعدية حكم التطهير من الماء إلى مادة الكحول.
ونبدأ بتناول الماء ـ والذي هو الموضوع المعلوم الحكم ـ بالتصنيف لصفاته التي يحتمل أن تكون هي المنشأ في ثبوت حكم المطهريّة له فنقول :
أولا : إنّ الماء سائل : فيحتمل أن يكون منشأ مطهريّته هو سيولته ، وهذا الاحتمال بعيد ، لسيولة كثير من المواد رغم عدم مطهريّتها ، فهذا الاحتمال ساقط إذن.
ثانيا : إنّ الماء بارد بالطبع ، فيحتمل أنّه العلّة في ثبوت المطهريّة له ، إلاّ أنّ هذا الاحتمال بعيد أيضا ، وذلك لأنّ الاعتبار العقلائي لا يستسيغ أن تكون البرودة مطهّرة للخبث خصوصا وأنّ البرودة بنفسها لا تزيل عين النجاسة ومن البعيد أنّ الشارع اعتبر البرودة مطهّرة تعبدا ؛ لأنّ التعبديّات لا بدّ وأن تكون مناسبة للاعتبارات العقلائيّة.
ثالثا : إنّ الماء لا لون له ، واحتمال أن يكون هذا هو علّة المطهريّة للماء بعيد جدّا.