الطاعة للمولى العرفي إنّما نشأ عن الاعتبار العقلائي ؛ ولذلك تكون حدود هذا الحقّ تابعة لحدود الاعتبار ، فلو كان المعتبر أوسع من هذه الدائرة لكان ذلك يقتضي اتّساع حدود الحقّ ولو كان أضيق لاقتضى ذلك ضيق دائرة الحقّ ، فضيق أوسعة دائرة حقّ الطاعة للمولى العرفي تابع لاعتبار من له حقّ الاعتبار وهم العقلاء مثلا أو من يحترم العقلاء اعتباره ، فتبانيهم إذن على أنّ الحقّ الثابت للمولى العرفي مختصّ بحالات العلم نشأ عن ضيق دائرة الاعتبار العقلائي.
والمقام ليس من هذا القبيل ؛ وذلك لأنّ حقّ الطاعة لله جلّ وعلا ليس تابعا للجعل والاعتبار العقلائي حتّى تتحدّد بحدود الاعتبار العقلائي وإنّما هو مدرك عقلي قطعي وليس خاضعا للجعل والاعتبار ، فالعقل يدرك أنّ حقّ الطاعة للمولى من اللوازم الذاتيّة لمولويّة المولى جلّ وعلا ، فكما أنّ النار تستلزم بذاتها الحرارة فكذلك مولويّة المولى الحقيقي تستلزم استحقاقه للطاعة ، إذن فباعتبار أنّ حقّ الطاعة من مدركات العقل فلابدّ أن يكون تحديد حقّ الطاعة ـ وأنّها خاصّة بالتكاليف المعلومة أو أنّها تشمل التكاليف المظنونة والمحتملة ـ من شؤون المدرك العقلي ، وإذا رجعنا إلى عقولنا نجد انّ حدود حقّ الطاعة للمولى جلّ وعلا شاملة لحالات الظنّ والاحتمال بالتكليف.
والمتحصّل أن مدركات العقل العملي قاضية باتّساع حقّ الطاعة لمطلق التكاليف الواصلة ولو بنحو الاحتمال ، والشاهد على ذلك هو الوجدان.
وبهذا يثبت أنّ الأصل العملي الأولي هو الاحتياط العقلي أي تنجّز التكاليف الواصلة ولو بنحو الاحتمال إلاّ أنّ يتنازل المولى عن حقّه فيرخّص في ترك التكاليف المظنونة والمحتملة.