نعم لو قلت إنّنا قبل هذا الدليل كنّا نبحث عن حدود حقّ الطاعة وبهذا الدليل ثبت أنّ حدودها مختصّ بحالات العلم بالتكاليف ؛ إذ أنّ العلم هو الموجب الوحيد للانبعاث نحو امتثال تكاليف المولى جلّ وعلا.
كان الجواب أنّ ذلك ليس هو الموجب الوحيد للتحرّك والانبعاث ، فالاحتمال والظنّ بالتكليف أيضا باعثان ومحرّكان للطاعة وامتثال التكاليف المولويّة ؛ وذلك لأنّنا ندّعي اتّساع حقّ الطاعة لحالات الظنّ والاحتمال ، ومع التوجّه لسعة حدود حقّ الطاعة يكون ذلك موجبا لأن يتحرّك المكلّف لغرض الخروج عن عهدة الحقّ المفروض عليه.
والعقلاء لا يأبون ذلك ، فلو أنّ المولى العرفي قال لعبيده متى ما احتملتم تعلّق إرادتي بإيجاد فعل فإنّه يلزمكم الإتيان به فإنّه لو عاقب المولى بعد ذلك عبيده في حال عدم التحرّك عن الاحتمال فإنّه لا يكون ملاما من العقلاء ؛ وذلك لإدراكهم بأنّ الاحتمال صار موضوعا لتنجّز الحق للمولى على عبيده.
الدليل الثاني : ـ على الاتجاه الأول ـ هو أنّ المتبانى العقلائي قاض بقبح معاقبة السيّد عبيده على مخالفة أوامره في حال جهلهم بها ، فالعقلاء لا يرون لهذا السيّد حقّا في أن تمتثل أوامره ولا يرون له الحقّ في معاقبة عبيده على ترك امتثال تلك الأوامر المجهولة ؛ فلذلك تجد أنّ السيرة العقلائيّة جارية على عدم محاسبة الجاهل للقوانين لو اتّفق مخالفته لها ويستبشعون معاقبته على المخالفة.
والجواب عن هذا الدليل :
أنّ السيرة العقلائيّة الجارية على اختصاص حقّ الطاعة للمولى العرفي بالأوامر المعلومة مسلّم ولا إشكال فيه ، إلاّ أنّ هذا التحديد لحقّ