بعد أن لم يكن هناك موجب للتحرّك والانبعاث.
فكما لا يلوم العقلاء من وقع ضحيّة للذئب لغفلته أو جهله بوجوده ويرون معاتبته والسخريّة منه قبيحة فكذلك المقام ، إذ لو اتّفق وقوعه في مخالفة التكليف الواقعي فإنّه لا يكون مسؤولا عن ذلك التكليف لأنّ جعل المسؤوليّة عليه رغم جهله قبيح بنظر العقلاء.
والجواب عن هذا الدليل :
إنّه لا نسلّم أنّ الباعث للمكلّف نحو امتثال التكليف هو العلم بوجود تكليف مولوي إلزامي بل إنّ ذلك مرتبط بحدود حقّ الطاعة للمولى جلّ وعلا ، فلو كان حقّ الطاعة شاملا للتكاليف المحتملة لكان الاحتمال وحده كافيا في البعث نحو امتثال التكاليف المحتملة.
وبعبارة أخرى : إنّ الموجب للانبعاث نحو تحصيل مرادات المولى جلّ وعلا يتحدّد بتحديد دائرة حقّ الطاعة للمولى فإذا ثبت أنّ دائرة حقّ الطاعة للمولى تتّسع لتشمل التكاليف المحتملة والمظنونة فإن مجرّد الظن والاحتمال بوجود التكليف يكون موجبا للتحرّك نحو الامتثال والخروج عن عهدة الحقّ المفروض عليه بحكم عبوديّته للمولى جلّ وعلا. إذن لا بدّ أولا من تحديد دائرة حقّ الطاعة للمولى جلّ وعلا ، فادعاء أنّ المكلّف لا يكون مسؤولا عن غير التكاليف المعلومة يكون مصادرة على الدعوى ، إذ أنّ ذلك هو محلّ النزاع والذي نطالب بالبرهان عليه ، فنحن نبحث عن حدود حقّ الطاعة فإذا قلت انّ المكلّف مسؤول عن التكاليف المعلومة فحسب وانّه غير مسؤول في حالات الظنّ والاحتمال بالتكليف فهذا هو عين ما نبحث عن دليله أي أنّ هذا الدليل هو عين الدعوى التي نبحث عن صحّتها أو فسادها.