يتسطيع أن يقول لم أجد فيما أوحي إليّ ، وعدم وجدانه لحرمة ما يزعمون أنّه حرام يلازم عدم وجود الحرمة.
ومن هنا يتّضح عدم صلاحيّة الآية الكريمة للاستدلال بها على البراءة الشرعيّة ؛ وذلك لأنّ دلالتها على البراءة متوقف على استظهار الملازمة بين عدم وجدان ما يدلّ على الحرمة وعدم وجود الحرمة واقعا أي عدم لزوم الالتزام بحرمة لم يجد عليها دليل ، وهذا الاستظهار غير تام لعدم الملازمة واقعا بين عدم الوجدان وعدم الوجود ؛ إذ لعلّ الحرمة تكون موجودة ومع ذلك لم يطّلع عليها المكلّف.
وإذا لم تكن الملازمة تامة فلا سبيل لاستظهار عدم لزوم الالتزام بالحرمة في حال عدم وجدان دليل على الحرمة.
ومنها : قوله تعالى ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١).
وتقريب الاستدلال بالآية الكريمة :
إنّه لا إشكال ولا ريب أنّ نسبة الإضلال إلى الله جلّ وعلا يستبطن معنى العقوبة ، وإذا كان كذلك فنفيها في حال عدم البيان يساوق نفي العقوبة في حال عدم البيان ، ولمّا كان البيان في الآية الكريمة قد أضيف إلى المكلفين « يبين لهم » فهذا يعبّر عن أنّ مساق الآية إنّما هو البيان الواصل.
وبتماميّة هذه المقدّمات الثلاث يتمّ الاستدلال بالآية الكريمة على البراءة الشرعيّة ، إذ يكون معنى الآية حينئذ هو أنّ الله جلّ وعلا لا يعاقب
__________________
(١) سورة التوبة آية ١١٥.