البراءة ، فموضوع البراءة ـ على هذا الفرض ـ هو عدم ثبوت الاحتياط الشرعي ومع قيام الدليل على ثبوت الاحتياط الشرعي ينتفي موضوع البراءة.
وبتعبير آخر : إذا كان موضوع البراءة هو عدم العلم بالتكليف الواقعي وعدم العلم بلزوم الاحتياط الشرعي فإنّه لا بدّ في إجراء البراءة حينئذ من ألا يكون علم بالتكليف الواقعي ولا يكون علم بوجوب الاحتياط الشرعي ، إذ أنّه مع العلم بأحدهما لا يكون موضوع البراءة متحقّقا ؛ لأنّ عدمهما مأخوذ في موضوع البراءة ، فعليه لا تجري البراءة الشرعيّة باعتبار ثبوت لزوم الاحتياط الشرعي.
وأمّا لو كان مفاد أدلّة البراءة هو أنّ موضوعها عدم العلم بالتكليف الواقعي فحسب فإنّه ـ بناء على هذا الفرض ـ تكون أدلّة البراءة معارضة بأدلّة الاحتياط الشرعي بنحو التعارض المستقر ؛ وذلك لاتّحاد موضوعهما ، إذ أنّ موضوع الاحتياط هو عدم العلم بالتكليف الواقعي كذلك ، وإذا كان موضوع البراءة والاحتياط واحدا فإنّ دليل كل منهما يعارض الآخر ، إذ أنّ دليل البراءة يقول إنّ البراءة هي الجارية في موارد الشك في التكليف الواقعي ودليل الاحتياط يقتضي أنّ الجاري في موارد الشك في التكليف الواقعي هو الاحتياط الشرعي.
ويمكن إثبات دعوى أنّ موضوع البراءة هو عدم العلم مطلقا ـ أي الأعم من العلم بالتكليف الواقعي والاحتياط الشرعي ـ بقوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١) ؛ وذلك لأنّ عنوان الرسول ـ كما قلنا ـ
__________________
(١) سورة الإسراء آية ١٥.