أمّا لو كان الشك في المكلّف به ـ أي في متعلّق التكليف ـ كأن كان يعلم بوجوب التصدّق على الفقير إلاّ أنّه يشك في تحقّق الامتثال وعدمه فهنا لا تجري البراءة الشرعيّة ولا العقليّة بل الجاري في مثل هذه الموارد هو أصالة الاشتغال العقلي ؛ وذلك للعلم بالتكليف ، غايته أنّ الشك في تحقّق امتثال التكليف وهو لا يصحّح إجراء البراءة ، إذ أنّ موضوع البراءة هو الشك في التكليف لا الشك في امتثال متعلّق التكليف.
ومن هنا لم يختلف أحّد من الفقهاء في جريان أصالة الاشتغال العقلي والتي تقتضي بقاء ذمّة المكلّف مشغولة بذلك التكليف المعلوم حتى يحرز الخروج عن عهدة ذلك التكليف.
وإحراز الخروج عن عهدة التكليف يتفاوت بتفاوت نوع المتعلّق للتكليف ، فتارة يكون إحراز الفراغ بإعادة المتعلّق ، كما لو صلّى وشك في واجديّة صلاته للشروط المأخوذة في صحتها ـ مع افتراض عدم جريان قاعدة الفراغ في ذلك المورد ـ وتارة يكون إحراز فراغ الذمّة باختيار المصداق المتيقّن مصداقيّته لمتعلّق التكليف ، كما في حالة الشك في فقر زيد والعلم بفقر عمرو فإنّ مقتضى قاعدة الاشتغال هو إعطاء زكاة الفطرة مثلا لعمرو وهكذا ، وهذا التفاوت في كيفيّة إحراز الفراغ عن التكليف المعلوم لا يمثّل تفاوتا واقعيّا بل كلّ الكيفيّات ترجع روحا إلى أمر واحد ، وإنّما ذكرنا ذلك لرفع اللبس عن الطالب ، وبالتأمّل يتّضح ما ذكرناه.
وكيف كان فلا إشكال كبرويا في جريان أصالة الاشتغال العقلي في موارد الشكّ في المكلّف به ، وإنّما الإشكال يقع في تمييز موارد الشك في المكلّف به ، فقد يقع الخلط بين الشك في المكلّف به والشك في التكليف ،