وذلك لما قلنا من أنّ الطرف الأول منجّز بالاستصحاب والثاني مؤمّن عنه ، فوجود العلم في هذه الصورة وعدمه سواء من جهة الأثر العملي ، وهذا بخلاف الانحلال الحقيقي فإنّ العلم يزول في مورده حقيقة.
الحالة الثانية : ما لو كان أحد طرفي العلم الإجمالي خارجا عن ابتلاء المكلّف بمعنى استبعاد وقوعه من المكلّف حتى لو افترض جوازه ، وذلك لعدم قدرته عادة على إيقاعه ، فهو وإن لم يكن متعذّرا إلاّ أنّه متعسّر.
ومثاله ما لو علم المكلّف بنجاسة أحد المائعين إمّا الذي تحت يده وقدرته أو المائع الموجود في بلاد نائية من المتعسّر على ذلك المكلّف الوصول إليها ، فهو وإن كان من الممكن أن يقع ذلك المائع تحت قدرته إلاّ أنّه مستبعد عرفا.
ومن هنا لا تجري البراءة عن مثل هذا الطرف ؛ إذ لا معنى لجريان البراءة إلاّ في مورد لو كان منجّزا لكان المكلّف عرفا قادرا على مخالفته ، أمّا لو كان عدم المخالفة مضمونا لعدم القدرة عليها فلا معنى لجعل البراءة في مثل هذا المورد لأن جعلها وعدمه سواء ، ومن هنا يجري الأصل المؤمّن عن الطرف الآخر دون معارض ؛ لأنّ الذي يفترض أن يكون معارضا لم تجعل له البراءة.
ومن هنا يجوز استعمال المائع الذي تحت يده وإن كان مبتليا بالوقوع طرفا للعلم الإجمالي.
وبهذا يتضح معنى قول الأصوليين من أنّ منجزية العلم الإجمالي مشروطة بوقوع كلا طرفي العلم محلا للابتلاء.