الإحكام والاستيثاق في المغزول بالظرف الذي تلاه وهو « من بعد قوة » ثم فسّرت النقض بالحال وهي « أنكاثا » فالنقض بمعنى النكث ، والنكث بمعنى الفتل ، والفتل لا يكون إلاّ فيما هو مستحكم ومستوثق.
وهكذا قوله تعالى ( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ) (١) فإنّ النقض في الآية الشريفة قد عرض على الميثاق ، والميثاق هو الالتزام للطرف المقابل بأمر على نحو البت ، فكأنّه معقود وموثوق بذلك الأمر بحيث لا يسعه التنصّل عنه ، ومتى ما تنصّل يكون قد نقض ذلك الوثاق وحلّه عن يده المكبّلة به ، ومن هنا لا يقال لمن لم يلتزم بأمر ـ وإنّما كان من المرجو أن يفعله ـ أنّه ناقض لالتزامه ، كما لا يقال لمن نكت في التراب أنّه نقض التراب وما ذلك إلاّ لعدم استحكامه في نفسه.
وباتضاح هذا يتضح معنى النقض في أدلة الاستصحاب وأنّها تعني رفع اليد عمّا له اقتضاء الدوام والاستمرار ، إذ هو الذي يناسبه عنوان النقض ، بخلاف المتيقن الذي ليس له اقتضاء الدوام فليس له حالة استحكام حتى يكون رفع اليد عنه يعدّ من النقض ، وبهذا يتضح وجه التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع.
والجواب عن هذا التقريب : أنّ ما ذكر من أن النقض لا يكون إلا في حالة يكون فيها المنقوض مستوثقا مسلّم إلا أنّ ذلك لا يقتضي التفصيل ، إذ أنّ متعلّق النهي عن النقض في أدلة الاستصحاب هو اليقين وليس المتيقن حتى يقال بالتفصيل ، ومن الواضح أنّ رفع اليد عن اليقين يعدّ نقضا عرفا ،
__________________
(١) سورة المائدة آية ١٣.