يقتضيه الاستصحاب الآخر ، ولا يختلف الحال فيهما عمّا ذكرناه في الاستصحاب السببي والمسبّبي الّذين يقتضيان نتيجة واحدة ، نعم في هذا الفرض لم يختلف أحد في تقدّم الاستصحاب السببي على المسبّبي بخلاف الفرض الأول فإنّه وقع الخلاف في إمكان جريان الاستصحاب المسببي في مورد جريان السببي أو عدم إمكان ذلك وإن كان المشهور ذهبوا إلى عدم جريانه.
وكيف كان فلكي تتضح معالم هذا الفرض نذكر هذا التطبيق : لو كان المكلّف على يقين من طهارة الماء ثم شك في طهارته فإنّ له أن يستصحب بقاء الطهارة ، ومن آثار هذا الاستصحاب هو صحة الغسل به ، ومن هنا يكون هذا الاستصحاب منقّحا لموضوع الأثر الشرعي وهو صحة الاغتسال بهذا الماء ؛ وذلك لأنّه في رتبة الموضوع بالنسبة لهذا الأثر الشرعي ، فلو اغتسل المكلّف بذلك الماء فإنّه يشك في ارتفاع حدث الجنابة عنه بعد أن كان على يقين به ، ومنشأ هذا الشك هو عدم إحراز طهارة الماء حقيقة ، إذ لعلّ نتيجة استصحاب الطهارة منافية للواقع ، ومن هنا تكون أركان الاستصحاب الثاني تامة ؛ وذلك لعلمه سابقا بحدث الجنابة ويشك بعد ذلك في ارتفاعه بسبب الشك في طهارة الماء الذي اغتسل به.
وتلاحظون أن نتيجة هذا الاستصحاب منافية لنتيجة الاستصحاب الأول ، إذ أنّه لمّا كانت نتيجة الاستصحاب الأول هي الطهارة فهذا يقتضي صحة الاغتسال بالماء المستصحبة طهارته وبالتالي ارتفاع حدث الجنابة بذلك الغسل ، أمّا نتيجة الاستصحاب الثاني فهو بقاء حدث الجنابة على حاله.