والاستصحاب الأول هو السببي ؛ وذلك لأنّه في رتبة الموضوع للاستصحاب الثاني ، إذ أنّ الشارع قد جعل طهارة الماء موضوعا للأثر الشرعي وهو ارتفاع حدث الجنابة بالاغتسال به ، وإذا كان كذلك فاستصحاب طهارة الماء يتعبدنا بارتفاع حدث الجنابة.
وهذا بخلاف الاستصحاب الثاني فليس من آثاره عدم الطهارة ، إذ أنّ البقاء على حدث الجنابة لم يجعله الشارع موضوعا لعدم طهارة الماء فالاستصحاب المسبّبي لو كان جاريا فإنّ نتيجته هي البقاء على حدث الجنابة فحسب.
وبما ذكرناه اتضح المنشأ في تقدم الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسبّبي ، حيث اتضح أنّ الأول يحرز به موضوع الحكم فلا مسوّغ حينئذ لجريان الاستصحاب المسبّبي بعد انهدام ركنه الثاني وهو الشك في البقاء.
وبتعبير آخر : إنّ الاستصحاب السببي حاكم على الاستصحاب المسبّبي ؛ وذلك لأنّ الاستصحاب السببي ـ كما ذكرنا ـ ينفي موضوع الاستصحاب المسببي ، إذ أنّ موضوع الاستصحاب المسببي مثلا هو الشك في البقاء على حدث الجنابة ومقتضى جريان الاستصحاب السببي هو نفي الشك تعبدا عن بقاء الجنابة ؛ وذلك لأنّ الاستصحاب السببي حينما أنتج طهارة الماء تنقح به موضوع الأثر الشرعي وهو ارتفاع حدث الجنابة بالاغتسال به ، فهذا هو منشأ القاعدة القائلة بتقدم الاستصحاب السببي على المسبّبي.