قال : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم. فقال أبو جعفر عليهالسلام : إنّ اللّه جلّ وعزّ خلق خلقاً من خلقه ، فجعلهم حججاً على خلقه ، فهم أوتاد في أرضه ، قوام بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه. فسكت قتادة طويلاً ، ثم قال : أصلحك اللّه ، واللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك. فقال له أبو جعفر عليهالسلام : ويحك أتدري أين أنت؟! أنت بين يدي «بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ» (١) فأنت ثمَّ ، ونحن أولئك ، فقال له قتادة : صدقت واللّه ، جعلني اللّه فداك ، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين» (٢).
وأقرّ رجال العلم والفكر الذين أدركوه ومن تبعهم بأنّه بقر العلوم بقراً ، وأصاب قلب الحكمة وعرف حقيقتها ، واتّفقت كلمتهم على أنّه أسمى شخصية علمية عرفها العالم الإسلامي في عصره.
روي عن معاوية بن عمار الدهني ، عن محمد بن علي الباقر عليهالسلام في قول اللّه عزّوجلّ : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (٣) ، قال : «نحن أهل الذكر».
قال أبو زرعة : صدق محمد بن علي ، ولعمري ان أبا جعفر لمن أكبر
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٣٦ و ٣٧.
(٢) الكافي ٦ : ٢٥٦.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ٤٣.