وأنطق بها لسانه» (١).
ومن خصائصه عليهالسلام أنه كان ذا قلب محزون ، مشغول عما في الدنيا ، لم يحفل بمظاهر الحياة الفانية ونعيمها الزائل ، بل امتلأت آفاق قلبه بخالص دين اللّه ، واتجه بكلّ عواطفه إلى اللّه سبحانه ، ليس له همّة إلاّ لقاءه ، رغبة فيما أعدّه له في دار الخلود من الرضوان والنعيم والكرامة ، ويترجم الإمام عليهالسلام ذلك خلال وصيته إلى تلميذه جابر الجعفي ، في ذم الدنيا وحث السالكين سبيل الهدى كي يسيروا في طريق المتّقين الصادقين في إدراك الآخرة والعمل لها ما وسعهم ذلك.
قال جابر : «خرج عليهالسلام يوماً وهو يقول : أصبحت واللّه يا جابر محزوناً مشغول القلب. فقلت : جعلت فداك ، ما حزنك وشغل قلبك ، كل هذا على الدنيا؟ فقال عليهالسلام : لا يا جابر ، ولكن حزن همّ الآخرة. يا جابر ، من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان شغل عما في الدنيا من زينتها ، إن زينة زهرة الدنيا ، إنّما هو لعب ولهو ، وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان. يا جابر ، إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا.
واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة ، وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون ، أهل العلم والفقه ، وأهل فكرة واعتبار واختيار ، لا يملون من ذكر اللّه.
واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء ، أغناهم القليل من الدنيا ، فمؤونتهم يسيرة ، إن نسيت الخير ذكروك ، وإن عملت به أعانوك ، أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم ، وقدموا طاعة ربهم أمامهم ، ونظروا إلى سبيل الخير ، وإلى ولاية أحباء اللّه ، فأحبوهم وتولوهم واتبعوهم. فانزل نفسك
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٦ / ٦.