وقد جسّد الإمام الباقر عليهالسلام إيمانه بكرامة الإنسان وسعيه إلى تحريره ، من خلال عتق العبيد والمماليك ، وبذله المزيد من العطاء في هذا السبيل ، امتداداً لعمل آبائه الكرام عليهمالسلام ، واقتداءً بأحد خصال أبيه السجاد عليهالسلام الذي تعامل مع تلك الظاهرة من موقع المسؤولية ، فاتّبع فلسفة خاصة في تحرير العبيد ، وتعامل معهم كبشر لا يميّزهم شيء عن سواهم في تطلعاتهم وآمالهم ، وسعى إلى تربيتهم وزرع القيم الرسالية في نفوسهم.
نعم ، كان الإمام الباقر عليهالسلام قد تعامل مع تلك الظاهرة على خطى آبائه المعصومين عليهمالسلام ، فحث وعمل على شراء المماليك وعتقهم لوجه اللّه ، وتعامل معهم بلطف الأخ الكبير وشفافية الأب الحنون والصديق الحميم ، وكان يجالسهم ويؤدب شرارهم ، ويعمل معهم يداً بيد ، ليزرع فيهم الثقة والاعتزاز بالنفس وبالدين.
روى أبو حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي عليهماالسلام ، أنه قال في حديث : «أربع من كن فيه من المؤمنين ، أسكنه اللّه في أعلى عليين ، في غرف فوق غرف ، في محل الشرف. إلى أن قال : ومن لم يخرق بمملوكه ، وأعانه على ما يكلفه ، ولم يستسعه فيما لا يطيق» (١).
ولم يكن ذلك شعاراً يطلقه الإمام عليهالسلام وحسب ، بل كان يمارس العمل مع مماليكه فيما لا يطيقون ، عن داود بن فرقد ، قال : «سمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول : في كتاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : إذا استعملتم ما ملكت أيمانكم في شيء يشقّ عليهم ، فاعملوا معهم فيه. قال عليهالسلام : كان أبي يأمرهم ، فيقول : كما أنتم ، فيأتي فينظر فإن كان ثقيلاً قال : بسم اللّه ، ثم عمل معهم ، وإن كان خفيفاً
__________________
(١) أمالي المفيد : ١٦٦.