وهنا يرتفع الإمام عليهالسلام بدراسة العلم إلى مستوى الصلاة والعبادة ، فأنت حينما تتدارس العلم مع الآخرين ، فكأنك تصلي وتتعبد ، يصلي عقلك ويتعبّد إلى اللّه سبحانه حتى يفيض عليه الحقيقة مما لم يطلع عليه في دراسته وحده.
فالعلم لا يقتصر على أن نقرأ ونسمع ، لأن التلقي والتلقين وحدهما من المسائل السلبية التي لا يتعمق بهما العلم ، ولا تُفتح آفاقه ، وهذا من التعاليم الراقية لمن يريد أن ينهض بتأسيس مدرسة علمية تلتقي فيها مختلف الطوائف ، لأن التذاكر يجعل الفكر يصطدم بفكر الآخر أو ينفتح عليه ، كما قد يكون التذاكر تفاعلاً ذاتيا مع العلم ، مما يجعل العلم يتعمق في الذات.
ثالثاً : وضع الإمام الباقر عليهالسلام الأسس القويمة لآداب المتعلمين ، قال عليهالسلام : «إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه» (١).
وتحدّث الإمام عليهالسلام عن الروحية التي ينبغي للمتعلم أن يعيشها في طلب العلم ، فقال عليهالسلام : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده من النار ، إن الرياسة لا تصلح إلاّ لأهلها» (٢).
ذلك لأن هناك من يطلب العلم للشيطان ولا يطلبه للّه ، فقد يريد من العلم أن يخدم شخصه في الجاه أو الكسب المادي ، كي يصرف وجوه الناس إليه ،
__________________
(١) الاختصاص : ٢٤٥.
(٢) الكافي ١ : ٤٧/٦.