ويتضح ذلك مما يلي :
أولاً : التواضع العلمي ، وهو المقدمة الأساسية لتحقيق الانفتاح على الأمة ، وأبدى الإمام الباقر عليهالسلام تواضعه العلمي في روايته حديث اللوح عن جابر مع علمه الأكيد بهذا الحديث الشريف ، فقد ثبت في الصحيح أنه عليهالسلام عارض ما يحفظ من حديث اللوح الذي يتضمن النص على أئمة أهل البيت عليهمالسلام واحداً واحداً ، بالأصل الذي كان عند الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضياللهعنه ، وتجشم زحمة الذهاب إلى بيت جابر لهذا الغرض ، وجاء في الرواية أنه عليهالسلام قال لجابر : هل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ فقال : نعم ، فمشى معه عليهالسلام حتى انتهى إلى منزل جابر ، فأخرج إليه صحيفة من رقّ ، فقال : يا جابر ، انظر أنت في كتابك لأقرأه أنا عليك ، فنظر جابر في نسخته ، فقرأه عليه وما خالف حرف حرفاً (١). ولا يخلو هذا العمل من محاولة الإمام عليهالسلام إثارة الوازع في نفوس أصحابه لطلب العلم ، ودفعهم باتجاه التفاني في سبيل الحفاظ على السنة المحمدية وتدوينها.
ويدل على تواضعه من خلال تواصله العلمي ومراسلاته الفقهية وحواراته الفكرية والكلامية مع علماء الإسلام من مختلف أوساط الأمة بمن فيهم حكام الجور الأمويين وفقهائهم ، كالحسن البصري ، ونافع مولى عبد اللّه ابن عمر ، والأبرش بن الوليد الكلبي وزير هشام بن عبد الملك ، وقتادة بن دعامة البصري ، وسالم التمار من الزيدية ، وطاوس اليماني ، وعبد اللّه بن معمر الليثي ، وعبد اللّه بن المبارك ، وعمر بن عبد العزيز ، وعمرو بن عبيد من المعتزلة وآخرين ، باعتبار أن الحوار هو الذي يقلّص مساحة الخلاف.
__________________
(١) اكمال الدين : ٣٠٨.