ثانياً : استقطاب رواد المعرفة بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والفقهية والعقدية ، فتجد في مجلسه وحلقة درسه مختلف رجالات الفكر من شتى ديار الإسلام ، منهم العامي والزيدي والمعتزلي والمتصوف والخارجي وغيرهم ، فلا يضيق مجلسه بفكر يختلف مع فكره ، ولا بعالم يلتزم اجتهاداً أو يتبنى مذهباً معيناً في الفقه أو الكلام.
قال الشيخ الطبرسي في ذكره لتاريخ الإمام الباقر عليهالسلام : يختلف إليه الخاص والعام ، ويأخذون عنه معالم دينهم ، حتى صار في الناس علماً تضرب به الأمثال (١).
ويقول أبو زهرة : ورث الباقر إمامة العلم ونبل الهداية عن أبيه زين العابدين ، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية ، وما زار أحد المدينة ، إلاّ عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه ، وكان ممن يزوره علماء من الذين يتشيعون لآل البيت ، وعلماء من أهل السنة ، وكان يقصده بعض المنحرفين الغلاة في تشيعهم الذين أفرطوا ، فكان يبين لهم الحق ، فإن اهتدوا أخذ بيدهم إلى الحق الكامل ، وان استمروا على غيهم صدهم ، وأخرجهم من مجلسه ، وكان يقصده من أئمة الفقه والحديث كثيرون ، منهم سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة محدث مكة ، ومنهم الإمام أبو حنيفة (٢) فقيه العراق ، وكان
__________________
(١) تاج المواليد : ٤٠.
(٢) عدّ الحافظ أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي الإمام الباقر عليهالسلام من التابعين الذين روى عنهم أبو حنيفة ، في كتابه جامع مسانيد أبي حنيفة ٢ : ٣٤٩ ، وجاء في تذكرة الخواص : ٣٤٧ قال ابن سعد : محمد الباقر من الطبقة الثالثة من التابعين من أهل المدينة ، كان عالماً عابداً ثقة ، روى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره.