آنذاك ، وضع حجره الأساس الإمام الباقر عليهالسلام من خلال تحديد معالم مدرسة أهل البيت ومصادر أصولها التشريعية ، المستندة إلى الكتاب والسنة ودليل العقل ، والقول بعصمة أهل البيت عليهمالسلام في تبليغ الأحكام والحدود ، وحجية حديثهم باعتباره الامتداد الصحيح لحديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، من هنا كانت مدرسة أهل البيت بمثابة النمرقة الوسطى بين تيارين فكريين متنازعين ، وقد أثمرت جهود روادها في التخفيف من غلواء هذين التيارين.
رابعاً : مواجهة الداعين إلى القياس بالحوار والمناظرة ، فقد حاور الإمام الباقر عليهالسلام أبا حنيفة حول القياس في الفقه ، حين لقيه في المدينة أيام الموسم ، فقال : « أنت الذي حولت دين جدي وأحاديثه إلى القياس؟ فقال : معاذ اللّه عن ذلك ، اجلس مكانك كما يحق لي ، فان لك عندي حرمة كحرمة جدك صلىاللهعليهوآله في حياته على أصحابه .. » (٢).
ومهما قيل في هذا الحوار ، فإنه يدل على إنكار الإمام الباقر عليهالسلام للقياس ، وأنه كان يتابع ما يجري على الساحة الفكرية ، ويراقب أعلام الأمة فيما يطرحون من أفكار ، وكان يحاور كي يقلّص من مساحات الخلاف ، باعتباره إمام الأئمة الذي يقوم بدوره الرسالي.
يقول الشيخ أبو زهرة : من هذا الخبر نتبين إمامة الإمام الباقر للعلماء ، يحضرهم إليه ، ويحاسبهم على ما يبلغه عنهم ، أو يبدو منهم ، وكأنه الرئيس يحكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة ، وهم يقبلون طائعين غير مكرهين تلك الرئاسة (٢).
__________________
(١) مناقب أبي حنيفة ١ : ٢٠٨ للحافظ الكردي ، طبعة حيدر آباد.
(٢) الإمام الصادق / أبو زهرة : ٢٣.