إنّ التفوّق العلمي ، هو أحد الظواهر البارزة في حياة إمامنا الباقر عليهالسلام ، فقد كان كما قال الصادق الأمين صلىاللهعليهوآله قد بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه ، من هنا تربّع على عرش العلم في زمانه بكل ما حوى من حقول المعرفة ، حتى اعترف معاصروه بتفوّقه وسمّوه في منار العلم.
عن عبد اللّه بن عطاء ، قال : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر محمد بن علي ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلّم (١).
وإذا كان الإمام الباقر عليهالسلام قد نأى بنفسه عن التدخّل في معترك السياسة ، فقد نشط لاستكمال جهود سلفه المعصومين عليهمالسلام في مجال نشر معارف الإسلام ، وتفرّغ بكلّه للعلم ، فأغنى الواقع الإسلامي علماً ومعرفة ، من خلال مدرسة علمية مفتوحة على الواقع الإسلامي ، في فترة شهدت تباشير الدعوة العباسية ، وعاش فيها المسلمون صراعاً عنيفاً انتهى بسقوط العهد الأموي وبداية العهد العباسي.
كان الإمام الباقر عليهالسلام شخصية علمية منفتحة على واقع المسؤلية ، فقد تلمّذ له ونهل من علمه جيل من أعلام معاصريه من شتّى المذاهب والاتجاهات ، واستطاع إعداد وتربية النخبة الصالحة والصفوة من فقهاء وعلماء وثقات أهل البيت المخلصين ، فنهض لإرساء قاعدة المدرسة الفقهية المستندة على أُسس الإسلام المتينة ، في وقت بدأ الحكام بترويج فقه كل من هبّ ودبّ من وعّاظ السلاطين ، فكان سفينة النجاة التي حفظت الشريعة المقدسة من أمواج الضلال والانحراف ، والنور الذي أشرق به فجر العلم.
__________________
(١) تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤٥ : ٢٧٨ ، صفة الصفوة / ابن الجوزي ٢ : ١٠٨ / ١٧١.