وكان لتلك المدرسة ميزة عن كل المدارس التي نشأت إبّان تلك المرحلة وما بعدها ، وهي الانفتاح على الواقع الإسلامي واستيعاب كل ما فيه من تيارات فكرية ومدارس مخالفة ومناقشتها بكل هدوء من غير أن تصادر الأفكار ، أو تلغي الآخر ، وبذلك قدّمت لنا درساً في وحدة الثقافة والفكر.
ولتلك المدرسة عطاء وافر وإنجازات علمية رائعة ، لها الأثر في إغناء المعرفة الإسلامية في شتّى فنون العلم وحقول المعرفة ، كعلوم القرآن والحديث والفقه وأُصوله والعقائد والتاريخ والطب وغيرها.
واستطاع الإمام الباقر عليهالسلام ملاحقة القضايا الفكرية التي تمثّل تحدّيات الفكر آنذاك ، سيّما ما طرأ على الواقع الإسلامي من بدع وشبهات ومفاهيم باطلة كالغلوّ والإرجاء والجبر والتفويض وغيرها ، وله احتجاجات مع أصحاب الفكر والاعتقادات المخالفة ، تركت بصماتها إلى اليوم ، إذ أجاب الإمام عليهالسلام عن الكثير من الأسئلة التي قد تكون جواباً على أكثر من سؤال يدور في أذهان المعاصرين.
وترك لنا الإمام الباقر عليهالسلام ثروة فكرية هائلة تهدف إلى تقويم السلوك ، وتدعو إلى الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة ، تتجلّى في الحكم والمواعظ والوصايا والرسائل التربوية.
أما حين نتناول دراسة البعد الروحي من شخصية الإمام الباقر عليهالسلام ، نجده كآبائه الهداة الميامين ، مثلاً أعلى في العبادة والورع والزهد والتقوى والتواضع والحلم والجود والهيبة والوقار. من هنا كان ولده الصادق عليهالسلام يقول : حدّثني أبي ، وكان خير محمدي يومئذٍ على وجه الأرض (١).
__________________
(١) البداية والنهاية / ابن كثير ٩ : ٣٣٨.