الحيوان احتمال ورود المطهر عليه ، إذ لم يعهد من أحد غسل الهرة أو التحرز عن صوف الشاة في الصلاة بدعوى العلم بتنجسها بدم الولادة وعدم ورود مطهّر عليه ، بل لو غسل أحد فم الهرة التي أكلت الفأرة أو شيئاً متنجِّساً عدّ من المجانين عندهم ، وهذا لا يستقيم إلاّ بطهارة الحيوان بمجرد زوال العين عنه ، فلا يمكننا المساعدة على هذا الاحتمال.
إذن يدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين وهما يبتنيان على أن الأدلّة الدالّة على الانفعال بالملاقاة هل فيها عموم أو إطلاق يدلنا على نجاسة كل جسم لاقى نجساً أو لا عموم فيها ، وحيث إن موثقة عمار : « يغسله ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء » (١) يكفي في إثبات العموم ، فلا مناص من أن يلتزم بنجاسة كل جسم لاقى نجساً أو متنجساً ولو كان بدن حيوان غير آدمي.
ثم إن الأمر بالغسل في تلك الروايات وإن كان إرشاداً إلى أمرين : أحدهما : نجاسة ذلك الشيء الذي أُمر بغسله. وثانيهما : أن نجاسته لا ترتفع من دون غسل ، ومقتضى ذلك عدم زوال النجاسة عن الحيوانات المتنجسة إلاّ بغسلها ، إلاّ أنّا علمنا بالأخبار والسيرة المتقدمتين أن نجاسة الحيوان بخصوصه قابلة الارتفاع بزوال العين عنه ، وبذلك نرفع اليد عن حصر المطهر في الغسل في الحيوان ، فهو وإن قلنا بتنجسه بالملاقاة كبقية الأجسام الملاقية للنجس إلاّ أنه يمتاز عن غيره في أن زوال العين عنه كاف في طهارته. فعلى ذلك لو تنجس بدن الحيوان بشيء كالعذرة فجف فيه ولم تزل عنه عينه ثم ذبح لا بدّ في تطهيره من الغسل ، وذلك لأن كفاية زوال العين في التطهير إنما يختص بالحيوان فاذا خرج عن كونه حيواناً لا دليل على كفايته فلا مناص من غسله بالماء. نعم بناء على عدم تنجس الحيوان بالملاقاة لا يحتاج في تطهيره إلى الغسل ، لأن النجاسة حينما أصابته رطبة لم تؤثر في بدنه لأنه حيوان وهو لا يتنجّس بالملاقاة ، وبعد ما خرج عن كونه حيواناً لم تصبه النجاسة الرطبة حتى تنجسه ويحتاج في تطهيره إلى الغسل.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.