هذا ، ثم لو سلمنا على فرض غير واقع أنها لا تنجمد إلاّ أن غاية ما هناك أن يلاقي الماء الأجزاء الظاهرية من الفلز ، وأما بواطنها فلا ينفذ الماء المتنجِّس فيها بأسرها ، ولا محالة تبقى على طهارتها. وعلى الجملة لا دليل على تنجس الأجزاء الداخلية في مثل الفلز المذاب.
هذا ، ثم لو فرضنا في مورد وصول الماء المتنجِّس إلى جميع الأجزاء الداخلية والخارجية للفلز ولو باذابته مرات كثيرة وإلقائه في كل مرة على الماء المتنجِّس بحيث لا يشك في ملاقاة الماء المتنجِّس لكل واحد من أجزاء الفلز لم يقبل الطهارة بعد ذلك أبداً ، لعدم التمكن من غسل باطنه ضرورة عدم وصول المطهّر إلى جوف الفلز. نعم لا مانع من تطهير ظاهره ، إلاّ أن الظاهر لو استهلك باستعمال الفلز فالجزء البادي بعد الاستهلاك باق على نجاسته وهو أيضاً قابل للغسل والتطهير بصيرورته من الأجزاء الظاهرية. هذا كلّه فيما إذا علمنا أن الجزء إنما ظهر بعد استهلاك ظاهر الفلز.
وأمّا إذا شككنا في أنه من الأجزاء الظاهرية التي طهرناها بغسلها أو أنه مما ظهر بعد الاستهلاك فهو باق على نجاسته ، فهل يحكم بطهارته أو لا بدّ من غسله؟ تبتني هذه المسألة على مسألة أُصولية ، وهي إن الحالة السابقة إذا علم انتقاضها في بعض أفراد المتيقن السابق وعلم عدم انتقاضها في فرد آخر ، وشك في فرد بعد ذلك في أنه الفرد المعلوم انتقاض الحالة السابقة فيه أو أنه الفرد الذي علمنا بعدم انتقاض حالته السابقة فهل يجري فيه الاستصحاب أو لا؟
ذهب شيخنا الأُستاذ قدسسره إلى عدم جريان الأصل فيه بدعوى أنه من الشبهة المصداقية للاستصحاب ، وذلك للشك في أن رفع اليد عن الحالة السابقة حينئذ نقض لليقين بالشك أو أنه من نقض اليقين باليقين ، ولا مجال معه للتمسّك بعموم ما دلّ على حرمة نقض اليقين بالشك (١) هذا.
ولكنّا أسلفنا في محلِّه (٢) أن اليقين والشك وغيرهما من الأوصاف النفسانية
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٣١.
(٢) مصباح الأُصول ٣ : ١٩٠.