وبالجملة : فاختلاف البلدان في العرض ينشأ من اختلاف مقدار بعدها عن الخط المزبور ، كما أن اتحادها فيه عبارة عن عدم تفاوتها في كمية البعد عنه وكونها في مقدار الابتعاد على حد سواء بحيث كان خط المشرق والمغرب المار بأحدهما ماراً بالآخر.
ومنها : طول البلد ويراد به مقدار بعده عن جزيرة ( فرّو ) ويقال لها ( هرّو ) أيضاً ، التي هي من الجزائر الخالدات الواقعة في جانب المغرب على ساحل البحر ، التي كانت تعتبر عند القدماء آخر الربع المسكون من الأرض ، فالمقياس في الاختلاف في الطول هو مقدار القرب والبعد من الجزائر المزبورة. أما في زماننا فيعتبر مبدأ الطول من قرية يقال لها ( گرينويچ ) واقعة في الجنوب الشرقي من لندن عاصمة بريطانيا ، هذا.
وقد صرح أرباب هذا الفن كما في الحدائق (١) بأن الأقاليم السبعة المسكونة وما فيها من البلدان كلها في النصف الشمالي من الأرض ، أما النصف الجنوبي فغير مسكون ، لاستيلاء الحرارة والماء عليه ، كما أن المعمور من النصف الشمالي إنما هو نصفه المتصل بخط الاستواء ، وهو الذي فيه الأقاليم السبعة ، والنصف الآخر خراب لشدة البرد ، ومن ثم كان المسكون من الكرة الأرضية هو ربعها لا غير.
هذا ولكن العلوم الحديثة والاكتشافات الأخيرة لا تساعد على هذه الدعوى كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا فنقول : تنحرف مكة المكرمة عن خط الاستواء إلى طرف الشمال بمقدار إحدى وعشرين درجة وبضع دقائق فهذا هو عرضها ، كما أن طولها أي بعدها عن نقطة گرينويچ ٣٩ درجة وخمسون دقيقة ، وعليه :
فان كانت البلدة متحدة مع مكة طولاً فكان خط نصف النهار المار على
__________________
(١) الحدائق ٦ : ٣٩٠.