وإن شئت فقل : إنّا نقطع بسقوط الأمر بالظهر في هذا الحين ، إما بالامتثال لو كانت القبلة في الجهات السابقة ، أو بخروج الوقت لو لم تكن فيها ، فانّ مقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختص بصلاة العصر ، فلا يكون هناك إخلال بالترتيب من ناحية المكلف قطعاً.
وبالجملة : فيمكن تحصيل الموافقة القطعية لإحدى الصلاتين لا بعينها في هذه الصورة ، أعني فيما لو بقي من الوقت مقدار سبع صلوات عند مراعاة الشرط المزبور دون الصورة السابقة وهي ما لو بقي مقدار ست صلوات أو خمس فتنطبق الكبرى المتقدمة حينئذ ويحكم بالتخيير ، لكون الوجوبين عرضيين من دون ترجيح في البين وعدم احتمال أهمية إحدى الصلاتين من الأُخرى.
وما يقال : من لزوم تقديم الظهر في هذه الصورة أيضاً بدعوى أنه وإن لم تحرز أهمية إحدى الصلاتين من الأُخرى ، إلا أن الظهر لما كانت شرطاً في صحة العصر بمقتضى الترتيب المعتبر بينهما ، فالأمر بالعصر يدعو إلى فعل الظهر كما يدعو إلى فعل العصر ، فقد تعلق بالظهر أمران أمر بها بنفسها وأمر آخر ينشأ من قبل الأمر بالعصر لكونها مقدمة لها ، فالإتيان بالظهر امتثال لأمرها ولأمر العصر معاً. وعليه فلا يجوّز العقل فعل العصر وترك الظهر ، إذ ليس في فعلها الا امتثال وجوبها لا غير ، وهذا المقدار كاف في الترجيح.
مدفوع أوّلاً : بعدم اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري كما حقق في الأُصول (١) ، فلم يتعلق بالظهر إلا أمر واحد كالعصر.
وثانياً : لو سلم فالتحقيق أنّ الواجب إنما هي المقدمة الموصلة دون غيرها ، ولا علم بالإيصال في المقام ، بل قد تكون المقدمة مفوّتة لذيها لا موصلة إليها ، كما لو استكمل جهات الظهر الأربع وصلى العصر بعد ذلك إلى جهات ثلاث وكانت القبلة واقعاً في الجهة الرابعة التي لم يصل إليها
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٦.