وغيره فالاعتبار في الأوّل بنحو الشرطية ، وفي الثاني على سبيل المانعية كما قيل.
وقبل الخوض في تحقيق الحال وبيان المختار ينبغي التنبيه على أمر قد تعرضنا له في الأُصول في بحث مقدمة الواجب (١) وهو أنّ الفرق بين الجزء والشرط هو أنّ الجزء مما يتألف منه المركب ، فينبسط الأمر المتعلق به وينبث عليه لدى التحليل لا محالة ، فانّ ذات الجزء إذا لوحظ في حدّ نفسه ولا بشرط فهو جزء ، وإذا لوحظ بشرط الانضمام مع بقية الأجزاء فهو عين المركّب فالمركب ليس إلا نفس الأجزاء بالأسر. وعليه فهو داخل فيه قيداً وتقيّداً ، ولذا قلنا بأنّ وجوبه نفسي لانبساط الأمر المتعلق بالمركب عليه.
وأمّا الشرط فهو وإن كان خارجاً عن حريم المأمور به ، إلا أنّ التقيد به مأخوذ فيه ، ولذا قيل إنّه جزء عقلاً وشرط خارجاً ، أي انّ التقيّد به داخل في المأمور به وواقع في حيّز الطلب ، والقيد خارج. فالشرطية أو المانعية إنّما تنتزعان من تقيّد الواجب بقيد وجودي أو عدمي.
ومنه تعرف أنّ ذات القيد لا بدّ وأن يكون فعلاً اختيارياً للمكلّف ، كي يصح الأمر بتقيد الواجب به أو بعدمه ، لما عرفت من أن التقيد في باب الشرائط والموانع داخل في المركب فلا بدّ وأن يكون أمراً اختيارياً ، ولا يكاد يكون كذلك إلا إذا كان ذات القيد متعلقاً لاختيار المكلّف ، إذ لا يعقل تقييد الواجب بأمر غير اختياري ، وإنّما يجوز ذلك في تقييد الوجوب نفسه دون الواجب ، وإلا لكان القيد مفروض الوجود ، ومثله خارج عن حيّز الطلب الذي قد عرفت تعلّقه بالتقيد به.
ولأجله ذكرنا في محلّه أن عدّ القبلة من شرائط الصلاة وكذا الطهارة الحدثية والخبثية مبني على ضرب من المسامحة ، وإنّما الشرط هو الاستقبال وإيقاع الصلاة في هذه الأحوال ، الذي هو فعل اختياري للمكلّف ، دون نفس
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٩٦ ٢٩٨.